منذ أن تفجّرت آلاف أجهزة النداء في أيدي مقاتلي الميليشيا اللبنانية (حزب الله) في آنٍ واحدٍ وبشكلٍ مفاجئ، في اختراقٍ إسرائيليٍّ تكنولوجي غير مسبوق، متسبّباً بإصاباتٍ وخسائرَ بشريةٍ متعددة في صفوف الحزب في 17 سبتمبر 2024؛ وما تلا ذلك في 27 سبتمبر من العام نفسه من ضربةٍ جويةٍ إسرائيليةٍ مباغتة استهدفت حسن نصر الله، زعيم الميليشيا، وقضت عليه وهو في مقرّه المحصَّن تحت الأرض — يجزم كثيرون أن الحزب اللبناني المسلّح والمدعوم من إيران قد انتهى فعلياً، ويقضي أيامه الأخيرة في غرفة الإنعاش.
لكنّ تقارير حديثة تشير إلى أنّ الحزب بدأ محاولات جديدة للحصول على تمويلٍ لإعادة بناء ما دمّره الهجوم الإسرائيلي العام الماضي، ساعياً إلى استعادة نشاطه وقدراته العسكرية.
جماعة (حزب الله)، التي تُصنَّف كمنظمةٍ إرهابيةٍ من قبل ما لا يقل عن 27 دولة، تعتمد على شبكةٍ من المموّلين المخلصين في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث تتواجد جاليات لبنانية مؤثرة وذات قدرات مالية كبيرة ترتبط بالحزب عقائدياً وسياسياً.
وذكرت مجلة Foreign Policy أنّ قسم الجرائم المالية في وزارة الخزانة الأمريكية أنذر المؤسسات المالية حول نشاطٍ مرتبطٍ بحزب الله في غرب إفريقيا، يشمل جمع الأموال وغسلها وذلك في أكتوبر 2024.
وفي 19 مايو الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن مكافأةٍ قدرها 10 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلوماتٍ عن آليات حصول حزب الله على الأموال في المنطقة الحدودية بين الأرجنتين والبرازيل والباراغواي، بعد توافر معلوماتٍ مؤكدةٍ عن نشاطٍ إجراميٍّ مكثفٍ لممولي الحزب هناك، يشمل بيع المخدرات والمنتجات المقلدة وغسل الأموال والتهريب.
وليس ذلك فحسب؛ فحزب الله، يوظّف شركاتٍ وهمية في واجهة نشاطه في أنحاءٍ عدة من العالم للحصول على أسلحةٍ وتكنولوجيا مزدوجة الاستخدام (مدنية يمكن تحويلها إلى عسكرية).
وقد اكتشفت كلٌّ من بريطانيا وألمانيا وإسبانيا العام الفائت محاولةَ إحدى هذه الشركات الحصول على قطعٍ لتصنيع مسيّراتٍ تحمل متفجرات، فتم اعتراضها و إفشال العملية.
وعلى الرغم من محاولة الدولة اللبنانية الحالية نزع سلاح حزب الله، فإنّ المهمة شبه مستحيلة في ظلّ تفوقٍ عدديٍّ وتنظيميٍّ بل وعسكريٍّ للحزب مقارنةً بالجيش اللبناني — وهذا ما لمح إليه السفير توم باراك في مداخلته حول لبنان خلال حوار المنامة الأخير. لذلك، يبقى الخيار الوحيد لمنع الحزب من إعادة بناء قدراته هو تجفيف مصادر تمويله عبر زيادة عدد الدول التي تصنّفه كمنظمةٍ إرهابية، مما يساعد على تضييق الخناق عليه.
فألمانيا، على سبيل المثال، ومنذ أن صنّفت الحزب منظمةً إرهابيةً في عام 2020، تمكّنت من شنّ حملاتٍ على منظماتٍ مرتبطة به ووقف نشاطها.
إذ إنّ التصنيف الإرهابي يرفع الغطاء عن الأفراد والمؤسسات الذين يعملون لصالح الحزب في أنحاء العالم، ويكشف الستار عن عملياتٍ تبدو قانونية — كجمع أو نقل الأموال — لكنّ وجهتها النهائية محظورة.
حزب الله، الذي تلقّى ضربةً شبه قاضية، يسعى اليوم كما سعى سابقاً في عام 2006 بعد حربه مع إسرائيل، وعام 2009 بعد تحديات مالية واجهته إثر تراجع التمويل الإيراني بسبب انخفاض أسعار النفط، إلى إعادة بناء قدراته وتفعيل شبكته المعقّدة من المموّلين لتوفير الدعم.
لكن المختلف هذه المرة هو الإصرار الأمريكي الأكبر على عدم منح الحزب فرصةً للنهوض مجدداً، وانقطاع شريان إمدادات السلاح والمال عبر الأراضي السورية.
وما تبقّى، هو توسيع دائرة الدول التي تضع الحزب في خانة الإرهاب حتى يتمّ القضاء على منابع تمويله بالكامل.