لم يعد يُنظر إلى الاقتصاد كمنظومة أرقام ومؤشرات مجردة، بل بات يُساءل عن غاياته الأخلاقية والاجتماعية. هذا التحول المفاهيمي أفرز ما يُعرف بـ”أنسنة الاقتصاد”، وهو توجه يعيد تعريف النجاح الاقتصادي من كونه نمواً في الناتج المحلي أو ارتفاعاً في الأرباح، إلى كونه تحسيناً ملموساً في جودة حياة الإنسان، وتعزيزاً للعدالة الاجتماعية، وصوناً للكرامة والاستدامة.
إذا كيف يقاس إسهام القطاع الخاص في بناء اقتصاد أكثر إنسانية، بحيث لا نتخلى عن الكفاءة أو الابتكار، بل بتوجيهها من أجل خدمة الإنسان.
فالقطاع الخاص مسؤول ليس عن تحقيق الأرباح بل للمساهمة في تقليص الفجوات الاجتماعية، وتوفير فرص العمل اللائق، ودعم المبادرات المجتمعية، والحفاظ على البيئة أيضاً.
من كل ذلك ثمة مؤشرات جديدة لتقييم الأداء الاقتصادي، تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة الفرد من الدخل العام، وتُركز على الإنسان أكثر، فمؤشر السعادة كمثال، ومؤشر التنمية البشرية، ومؤشر الرفاه الاجتماعي كلها مؤشرات تقيس قدرة المجتمعات على تلبية احتياجاتها الأساسية، وجميعها تعكس تحولاً من الكم إلى الكيف، ومن الربح إلى الأثر ليصبح الاقتصاد شاملاً للأبعاد النفسية والاجتماعية والتنمية.
في السياق الخليجي والعربي، تكتسب هذه الرؤية أهمية خاصة. فالدول الخليجية، تخوض تحولات اقتصادية كبرى ضمن رؤى تنموية طموحة. ويُنظر إلى القطاع الخاص كشريك استراتيجي في هذه التحولات، لكن أنسنة هذا الدور تتطلب دمج المسؤولية الاجتماعية في صلب الاستراتيجيات.
علينا اليوم التركيز وإبراز الممارسات المحلية التي تسهم في أنسنة الاقتصاد، وتعزيز ثقافة الاستهلاك الواعي والمسؤول. فالمجتمع لا يكتفي اليوم بالمنتج الجيد، بل يسأل عن ظروف إنتاجه، وعن أثره البيئي، وعن قيم الشركة التي تقف وراءه.
إذ إن أنسنة الاقتصاد فرصة لإعادة تعريف دوره في بناء مجتمعات أكثر عدالة واستدامة. إن دمج القيم الإنسانية في السياسات الاقتصادية، وتحويل الشركات إلى فاعلين اجتماعيين، هو السبيل نحو اقتصاد لا يكتفي بالنمو، بل يصنع الأثر في الإنسان.