بدر علي قمبر

عادةً ما نهتمّ في إطار حياتنا اليومية بتلك المشاعر الدافئة الحنونة التي تعني لنا الكثير في أيام الحياة، وتُبقي على مشاعرنا وسلامنا الداخلي كما هو، متحيّنةً فرص الخير والعطاء الدائم. مشاعرُ يعتقدها البعض مجرد طيف عابر، لكنها في الحقيقة منزلة من منازل الاهتمام والتقدير لكل الناس، فكيف تكون إذن للأقربين والأهل والأحباب، وأولئك الذين جمعتنا بهم أجمل اللحظات. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من صُنِع إليه معروفٌ فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد بالغ في الثناء"، وقال عليه الصلاة والسلام: "من صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه". رواه الحاكم وأحمد وغيرهما. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس". هي مبادئ نبوية أصيلة، وهي جوهر الامتنان الذي يجب أن نتبادله في أيام الحياة، وهي المعدن الأصيل للمحبة التي تجمعنا.

ومن تلك المشاعر الدافئة مشاعر "الأثر الجميل" الذي تظهر صوره بين الحين والآخر في مواقف حياتك، فتأتيك على هيئة رسائل ربانية بأنك كنت وما زلت تقدّم الخير وتترك الأثر، وهي دعوة أخرى بأن تسير وفق هذه الغاية حتى الرمق الأخير من حياتك. يلتقيك الطالب النجيب محمد، ويسلّم عليك بحرارة، ويذكّرك بتربيتك وتعليمك له في مدرسة البسيتين الابتدائية للبنين عندما كنتَ مدرساً لنظام معلم الفصل. حينها تستحضر في ذهنك صورة ذلك الطفل المجتهد الذي تميّز بتفوقه. أما عامر، فهو الآخر يلتقيك في الطريق، ويتبسم ويتهلل برؤيتك، ويشكرك على تربيتك وتعليمك في سنوات خلت من خلال مركز تحفيظ القرآن الكريم. يا لها من مشاعر جميلة نستذكر فيها عطاء الأيام، ويحدونا ذلك إلى أن نكون جادّين في أيام حياتنا القادمة، نقدّم الخير ونعلم العلم ونخدم الإنسانية والوطن بلا كلل أو ملل، يدفعنا إلى ذلك حبّ ما عند الله تعالى، وحبّ رضاه، وأن نكون أصحاب رسالة حقيقية تترك أثرها في كل ميدان.

أصحاب الامتنان والأثر والأحاسيس الرقيقة، هم من يتحينون كل فرصة وكل مناسبة تمرّ في حياتك، إلا وكانوا أول المبادرين للحضور، وأول المهنئين، وأول من يكتب الرسائل المكتوبة والصوتية. تعجبك هذه الشخصيات المرهفة التي تبحث بين ثنايا "مجموعة الواتساب" أو الرسائل الخاصة عن كل تعليق أو إطراء أو كلام جميل، إلا وتحرص على أن ترد عليه بامتنان وبكلمات تدخل إلى القلب وتجبر الخواطر. من الصعوبة أحيانًا أن تتعامل مع "قلوب جافة"، وألسنة "حادّة"، ومشاعر "سلبية جامدة"، فلا تراها تتواصل معك، ولا تعيش معك مشاعر المواقف، بل تراقب من بعيد، فلا تعرف حينها كيف هي مشاعرها! عندها بلا شك ستغلق ملف هذه المشاعر، وتوفر وقتك وجهدك لمحبيك الذين يتواصلون معك، ويمتنّون لكل لحظات السعادة التي قضوها معك، وللمحبة والمشاعر الدافئة الحنونة التي يتبادلونها معك، لأنهم أحبوك بصدق وبنية خالصة لوجه الله تعالى.

أما أولئك الذين يُظهرون ما لا يُبطنون، ويمتنّون لك أمام الآخرين بابتساماتهم الخادعة وكلامهم المعسول، وهم في الوقت ذاته يخوضون في سيرتك بالغيبة والنميمة، ويتفننون في انتقادك وإساءة الظنون، ويجعلون من سيرتك عنواناً لمجالسهم، فحريّ بك أن تزرع مصدّات أمام علاقتهم المسمومة، ومشاعرهم الخادعة، ونفاقهم الذي يتعدّى أطر الأخلاق القويمة، ويتجاوز أبسط مبادئ الإنسانية. إنما المحبة أخلاق ومشاعر حب متبادلة، وهي علائق يمتد أثرها لسنوات طويلة، فترى أصحاب المبادئ الحقة لا يرضون أن يُمسّ من يحبّونه بسوء أو بكلمة مغلوطة، فقد عرفوه عن قرب، وعرفوا سماحته وقلبه الطيب، وأنه يَكنّ للجميع التقدير والاحترام الوافر. نحتاج إلى إعادة النظر في علاقاتنا، وإنهاء تلك العلاقات الخاطئة، وإدراجها في ملف النسيان، والإبقاء على العلاقات النافعة الحنونة التي من خلالها يُبقي الإنسان على سلامه الداخلي الناصع.

أما الشكر والامتنان الحقيقي، وأول ما ينبغي أن يستقر في مشاعرنا، فهو الامتنان لله تعالى، بشكره على النعم التي أغدقها علينا، وبشكره أن جعلنا مسلمين وخلفاءه في هذه الأرض، وعلى كل صغيرة وكبيرة أنعم بها علينا من وطن ومسكن آمن، وعافية في الأبدان والأرزاق، وقوت نتذوق طعمه بسلام. مشاعر يجب أن تُبقينا دائماً على علاقة قرب مع الله عز وجل، وتُبقينا على خير في أمور ديننا ودنيانا، فأجمل ما تستفتح به يومك أن تمتن لله عز وجل وتشكره على ما أنعم عليك من أنفاس جديدة في يوم جديد، تؤدي صلاة الفجر في جماعة، وتنطلق بعدها لشؤون الحياة. شكراً لك يا رب على كل نعمة أنعمتها علينا، وكل رزق رزقتنا إياه، فبشكر المولى الكريم تدوم النعم وتزداد، وبالرضا يطمئن الإنسان ويرضى بما قسمه الله تعالى، ويوقن بأنه سيعطيه الأفضل إن شكر ورضي وآمن بقدر الله تعالى.

ومضة أمل

لابد أن تمتنّ لأسرتك وعائلتك، فهم الملاذ الآمن بعد ساعات العمل، وبعد ما تُرهقك أحياناً بعض عراقيل الحياة وإزعاجاتها. لابد أن تحرص على أن تكون بينهم ودوداً رحيماً هيّناً ليّناً سمحاً، تمتنّ لوجودهم في حياتك ووجودك في حياتهم، فهم من يفهمونك في كل حالاتك، ويحتضنون مشاعرك وأحاسيسك، وهم من سيبقون معك إلى نهاية المطاف. اللهم احفظهم من كل سوء وبارك فيهم يا رب، وأطل أعمارنا في طاعتك لنفرح بكل مناسبات الخير معهم.