بعد أنّ حقق نجاحاً متميّزاً في نسخته الأولى التي عُرِضت في العام الماضي؛ جاء برنامج «قدها» في نسخته الثانية الذي أُقيم بتوجيهات سمو الفريق الركن الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، مستشار الأمن الوطني، قائد الحرس الملكي، الأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى، وبرعاية سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة، النائب الأول لرئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، رئيس الهيئة العامة للرياضة، رئيس اللجنة الأولمبية البحرينية- ليقدّم نموذجاً مبتكراً للبرامج الوطنية الهادفة إلى تمكين الشباب البحريني، يُعزّز فيهم روح المبادرة والتعاون، ويُرسّخ في نفوسهم قيم الولاء والانضباط والعمل الجماعي التي تشكّل جوهر الهوية البحرينية الأصيلة.
كما يأتي هذا البرنامج منسجماً مع رؤية حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظّم حفظه الله ورعاه، في بناء جيلٍ قادرٍ على تحمّل المسؤولية ومؤمنٍ بقيم العمل المشترك، ومتوافقًا مع توجّهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، في تمكين الشباب وتأهيلهم لقيادة المستقبل. فهذه المبادرة الوطنية تعكس إيمان القيادة الرشيدة بأن الشباب هم ثروة الوطن وأساس نهضته، ممّا يفسّر الدعم الكبير الذي يحظى به البرنامج لضمان تحقيق أهدافه التربوية والاجتماعية النبيلة.
إنّ ما يميّز برنامج «قدها» أنّه يتجاوز أساليب التدريب التقليدية ليدخل بالشباب ميدان التجارب العملية والواقعية التي تختبر إرادتهم وصلابتهم. فالمشاركون في هذا البرنامج الطموح لا يواجهون تمارين رياضية أو منافسة تُعرَض على المشاهدين فحسب، بل يخوضون تحديات مكثّفة ومهامّ ميدانية صعبة تحاكي الظروف القاسية والضغوط الفعلية؛ فيتحوّل مفهوم التحدّي لدى المشاركين إلى حافز لبناء الشخصية وصقل الإرادة.
وإلى جانب بناء القدرة البدنية والذهنية، يحرص البرنامج على ترسيخ الهوية البحرينية الأصيلة في نفوس الشباب عبر غرس القيم والمبادئ الأخلاقية. فالانضباط والالتزام واحترام النظام وتحمّل المسؤولية والتعاون بين أفراد الفريق، هي قيم وطنية راسخة في ثقافة البحرين يحرص البرنامج على تعزيزها عبر تحديات واقعية. هذا الدمج المتميّز بين التدريب البدني وترسيخ القيم يجعلنا أمام مدرسة حياتية متكاملة؛ يتعلّم فيها الشباب الإصرار والصبر والعمل المتفاني، ويخوضون تجربة تعينهم على فهم ذواتهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.
كما وفّر البرنامج -بنسختيه- منصّة حقيقية لاكتشاف الطاقات الكامنة لدى الشباب وصقل مهاراتهم القيادية. فقد برهن المخرج الشاب أحمد الشيخ والقائمين على هذا العمل المتقن والهادف بالإضافة إلى المشاركين عبر مراحل «قدها» المختلفة أن الشاب البحريني قادر على الإبداع والعطاء حين تُتاح له الفرصة. رأينا نماذج ملهمة لشباب واجهوا الصعاب بابتسامة وثبات، وتعاونوا فيما بينهم كفريق لتجاوز أصعب العقبات. لقد أثبت برنامج «قدها» فاعلية نهجه المبتكر، وما الإشادات الواسعة بالبرنامج إلا دليل على نجاحه في ترجمة رؤى القيادة إلى واقع ملموس.
لاشكّ أن الاستثمار في الشباب البحريني هو استثمار في مستقبل البحرين. من هنا تأتي أهمية استمرارية مثل هذه المبادرات وتطويرها، حتى تتحوّل إلى رافدٍ ثابت في مشروع بناء الإنسان البحريني. نغرس في نفوس شبابنا قيم الولاء والانضباط والعمل الجماعي، ونبني مجتمعاً قوياً وواعياً، مستعداً لمواجهة تحدّيات الغد بروحٍ واحدة وعزيمة صلبة.
في نهاية المطاف، يبدو «قدها» كأنه سؤال نبيل يطرحه الوطن على أبنائه: هل أنتم «قدها» عندما تنطفئ الأضواء وتبقى وحدها مسؤولية البناء؟ وحين يجيب الشباب بالفعل قبل القول، وبالانضباط قبل الخطاب، نكون أمام جيلٍ يصنع تعريفاً جديداً قوامه الإخلاص والجدية وروح الفريق. عندها فقط يتجاوز البرنامج كونه تجربة إعلامية ناجحة ينتهي مع تترٍ أخير، ليصبح جزءاً من ذاكرة البحرين التربوية والإنسانية، وجسرًا هادئًا بين حاضرٍ يعمل ومستقبلٍ يُبنى. هناك، في نقطة التقاء العزيمة بالانتماء، ينهض صوت الشباب البحريني ليقول للعالم بهدوء الواثق: هنا وطنٌ يصنع مستقبله بيد شبابه، وهنا شبابٌ يستحقون أن يُقال عنهم: هم فعلاً «قدها».