تنشط في الآونة الأخيرة خلايا من فلول 14 فبراير في صناعة المحتوى الإلكتروني على وسائل التواصل باستخدام الذكاء الصناعي، وتكثّف نشر محتواها بكل وسيلة وتدفع من أجل نشر ما تصنعه كي تزيد من حجم انتشاره (سبونسر) وتستخدم الذكاء الصناعي بخلق شخصيات كارتونية تحاول أن تقنعك بأنها من مناطق معينة في البحرين بمحاولة تغيير اللهجة، فحوى المحتوى هو التذمر من الحكومة.
المحتوى يركز على قصور في الأداء الحكومي ويركز على تحفيز «السنة» تحديداً ضد الحكومة، وذلك من خلال عبارات ومصطلحات تستهزئ بالأسباب التي دعت البحرينيين يقفون مع الدولة ومع النظام أيام الأزمة كاستخدام عبارة (أهم شي الأمن والأمان) أو لفظ (الغانون) بدلاً من القانون، ثم يملؤون خانة التعليقات بزيادة وتيرة التذمر من خلال حسابات مفبركة، شغل ممنهج مدروس لسيكولوجية تشكيل الرأي العام.
المحتوى به الكثير من جوانب الصحة حين ينتقد قصور بعض الأداء الحكومي، إنما ينقصه الكثير الكثير من الإنصاف والنظرة العامة لذلك تضيع الحقيقة، وهو الهدف المنشود أي العمل على توجيه للرأي العام ومزاجه بقصد وتعمد للوقوف والتركيز على القصور فقط لخلق حالة التذمر ونشرها.
تقف وراء هذا «المشروع» جماعات متفرغة لصناعة هذا المحتوى البسيط والمؤثر بدليل كثافة النشر، يقف وراءه من يفرّغ نفسه لهدم كل ما تبنيه الدولة وما تنجزه الحكومة وتجعل ميزان العدالة مائلاً تجاه القصور والضعف والخلل، فلا ترى خيراً في هذا البلد ولا إنجازاً ولا قصصاً للنجاح، فتخلق جواً من التذمر العام والفجوة بين المواطن والدولة.
بالمقابل لا تملك الدولة -مع الأسف- بكل أجهزتها، وقتاً أو تتفرغ جهة ما لصناعة محتوى يردّ أو يتفوق على محتوى يخلّ بالواقع ويستهين بإنجازتها وهي حقيقية.
نحن نفتقد «المحتوى» وليست هناك جهة مركزية متفرغة لصناعة محتوى وطني يتسم بالعدل والإنصاف بلا مبالغة وبلا تفخيم أو تكبير لكنه بإمكانه أن يرد بعقلانية ويثبت أن البحرين بخير بالرغم من وجود القصور.
والمؤسف أنه لدينا عدة جهات ومؤسسات معنية بهذه المهمة الوطنية، ولدينا جهات مهمتها تبيان الحقيقة وتوضيحها، احسبوا ما يصرف عليها من ميزانيات مجتمعة، لكن كلاً منها مشغول برصد تلك الحملات بشكل جيد وربما تتتبع بشكل جيد مصادر ذلك المحتوى، لكنها كلها تفتقد الوقت أو التوجيه -أو لا أدري أين الخلل صراحة- لصناعة المحتوى الذي يستطيع أن يواجه هذه الحملات.
فهناك غياب شبه تام للرواية البحرينية التاريخية والحاضرة في الفضاء الإلكتروني (ربما نستثني تويتر نوعاً ما هناك نشاط ملحوظ) إنما بقية المنصات غياب شبه تام وهي منصات لها انتشارها وتأثيرها.
الفضاء الإلكتروني أصبح هو الميدان الرئيس الآن وبلا منافس الذي يستطيع أن يغير المزاج العام للمجتمع بل ويستطيع أن يغير المزاج العام في العالم كله.
انظروا ماذا فعل الفضاء الإلكتروني في موضوع غزة، نجح وحده في قلب الطاولة على إسرائيل، وأجبر الإعلام التقليدي على اللحاق به. لقد تحول المزاج الغربي ضد إسرائيل بفضل الفضاء الإلكتروني.
هذه هي قوة الفضاء الإلكتروني الذي نهمله في البحرين بشكل فظيع جداً جداً، ولا نقدّر قوته وقدرته على التأثير، ونعتقد أننا نستطيع أن نقول روايتنا ببيانات رسمية أو تصريحات ننشرها في صحافتنا أو تقرير في تلفزيوننا، ومع احترامي لجميع تلك الوسائل وللعاملين المجتهدين فيها، لكنها كلها مجتمعة كحجر صغير تلقيه في بحيرة كبيرة دائرة انتشاره لا تزيد عن عدة سنتيمترات لا أحد يراها ولا تثير الانتباه! بينما (بوست) واحد في إنستغرام يهزمها، إننا نضيع الوقت بصراحة ونضيع موازنات كبيرة مهدورة.
رواياتنا البحرينية ضعيفة عند العالم وعند المحيط الإقليمي وعند الرأي العام المحلي، ليس لعدم مصداقيتها، ليس لأنها تفتقد الأدلة والبراهين والمنطق، لكنها ضعيفة لأنها غير موجودة أصلاً، لا في المكان الصح، ولا بالطريقة الصح.