احتفى برنامج "ليالي الشعر: الكلمة المغنّاة"، أحد أهم فعاليات مهرجان العين للكتاب 2025، الذي ينظمه مركز أبوظبي للغة العربية من 24 إلى 30 نوفمبر الجاري، بإرث الشاعر الراحل الشيخ الدكتور هزاع بن سلطان بن زايد آل نهيان، صاحب الكلمة الصادقة والرؤية الثقافية الملهمة، في أمسية احتضنها قصر المويجعي التاريخي، أمس.وشارك في الأمسية نخبة من نجوم الشعر والفن الإماراتي الأصيل، وهم: الشاعر محمد أحمد المرزوقي، والباحث التراثي الدكتور راشد المزروعي، والفنان حمد العامري، والفنان قصي المعمري، والملحن خالد ناصر، والفنان الإيقاعي عبدالله البلوشي، والإعلامية لمياء الصيقل. وبدأت الأمسية، التي أدارتها الإعلامية والشاعرة لمياء الصيقل، بعرض فيديو قدّم نبذة عن سيرة الشاعر، الذي نشأ في كنف تراثٍ يفيض بالقيم؛ فحمل أصالة البيت إلى فضاء القصيدة، وكتب بلغة تجمع بساطة المفردة وعمق الشعور الذي يُبرز الأثر العميق الذي تركه الراحل في الذاكرة الإماراتية، وفي العلاقة الخالدة بين اللحن والشعر.واستعاد الشاعر محمد أحمد المرزوقي ذكرياته مع الشيخ الراحل، متحدثاً عن البيئة التي نشأ فيها والتي تفسر أخلاقه وإبداعه؛ إذ نشأ في بيئة عاشقة للأدب والشعر والفروسية لذلك كان من الطبيعي أن يولد فارساً وشاعراً، وأن يدخل إلى بيت القصيد من أوسع أبوابه.وكشف المرزوقي جانباً من كواليس العمل مع الشيخ الراحل في أكثر من موقف، تميّز بعضها بالطرافة، والتي كانت تشير إلى شغفه، رحمه الله، بالتعلم، وفضوله بمعرفة التفاصيل، إلى حد سؤاله عن الموسيقا والألحان لإعداد قصيدة مكتملة النضج. وقدّم الدكتور راشد المزروعي، وهو باحث وناقد في الأدب الشعبي والتراث الإماراتي وله دراسات عدة في مجال الشعر الشعبي، قراءة في تجربة الشيخ الشعرية، مؤكداً أن الراحل، الذي عمل لسنوات مديراً عاماً لنادي تراث الإمارات، كان شاعراً يمتلك لغة حديثة ومفردة عامية قريبة من الناس، وكان يسكب فيها قوة الشعور وجزالة التصوير في الوقت نفسه.وتوقف المزروعي عند قصيدة الراحل "لا تكدّر"، التي غنّاها أصيل أبو بكر، وحلّلها بعمقٍ موضحاً أنها قصيدة مجاراة لقصيدة والده الشيخ سلطان بن زايد آل نهيّان رحمه الله، وهي تقوم على ثلاثة محاور: إزالة الحزن والطمأنينة، وإبراز مكانة المخاطَب بصورٍ تشبيهيّة تجمع الشمس والقمر، والإيمان بالقدر والتسليم بالمكتوب، مشيراً إلى أن وزنها بني على فن الردحة الشائع في الشعر النبطي. وتقول القصيدة:لا تكدر يا هوى روحيخلها الدنيا لك افراحيلو غدى ما ينفعه نوحيو لا يرده كثر لصياحيمن هو مثلك يا سما روحيفرحتك تسمو على افراحيفي هجير الشمس لي دوحيو في الليالي ضي وضاحيكل شي مكتوب في اللوحيو في الذي مكتوب لرباحييحفظك ربي يمملوحيويغدي من صافي أفراحيمن جهته، قدّم الفنان حمد العامري شهادته الفنية والإنسانية في الشيخ هزاع بن سلطان بن زايد آل نهيان، رحمه الله، مؤكداً أنه: "كان رجلاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وكان إنساناً فريداً من نوعه".وتحدث العامري عن ولادة قصيدة "سود الهدب"، التي نظمها الشيخ الراحل في ليلة باردة، وهو يسير بشوارع لندن بصحبة العامري وتم تلحينها في الليلة ذاتها، بعدها رجع العامري من لندن إلى دبي خصيصاً لتسجيلها في اليوم التالي. من جهة أخرى، تحدّث الملحن خالد ناصر عن تعاونه مع الشيخ الراحل، حين تلقى اتصالاً ليعمل على قصيدة جديدة؛ فبدأت بينهما شراكة أثمرت أعمالاً بارزة مثل قصيدة "من الغلا"، التي غناها الفنان عبدالمجيد عبدالله، وقصيدة "دانة" التي غناها حسين الجسمي، مشيداً بمواهب الراحل الشعرية والفنية الفطرية، فقد كان متذوقاً جيداً للموسيقا، ولديه القدرة على قبول اللحن وتطويره، كما كان يتميز بنشاطه في العمل حريصاً على جودته ويتابع أدق التفاصيل، فضلاً عن أخلاقه العالية في التعامل وحسّه الإنساني. وقال "كان يسأل عن الجميع، ويتواصل معنا، ويسأل عنا على الدوام، وكان كريماً مع العاملين معه رحمه الله".أما الفنان قصي المعمري، فقدّم مجموعة من الأغنيات التي أطربت جمهور الحاضرين، وأمتعتهم بسماع كلمات مؤثرة يكمن سرّها في بساطة المفردة وصدق الشعور، ومنها أغنية "مالك عذر"، وأغنية "من الغلا" التي ورد فيها:من الغلا لك زاد بي الشوق يختال شوقي وسط الأعماقما غض جفني حارب الموت متوقد إحساسي وخفاقعاتبت قلبي صوتك يسود شوق صدوق وجد منساكإن الزعل واللوم مرفوض تشرح وأنا اللي بالحيل مشتاقفقت بجمال ومنطق وذوق بسمتك تشفي جرح وأعوانيا ظبي داري وانت تفوز حلو الظبى دلعة العنادكأنك لقلبي انت مخلوق وغيرك في عيني انت ما لانليتك تخلي الغيرة وتروح اهدا أنا ما أنوي عل الفراقوفي نهاية الأمسية التي حضرها عدد كبير من رموز الشعر الشعبي في دولة الإمارات ومحبيه، ولاقت تفاعلاً لافتاً من الجمهور، توجه سعادة سعيد حمدان الطنيجي، المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية بالشكر للمشاركين في الجلسة من رموز الشعر والفن والبحث الشعبي؛ وسلمهم شهادات تقدير لإسهامهم في جعل الكلمة وطناً، واللحن جناحاً يصل إلى عمق الشعور الإنساني.