حسن الستري
تمثل العلاقات الاقتصادية بين مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً راسخاً للتكامل الخليجي القائم على المصالح المشتركة والرؤية الموحدة تجاه تعزيز التنمية المستدامة. وعلى امتداد العقود الماضية، تمكن البلدان من بناء منظومة تعاون متينة في مجالات الاستثمار والتجارة والصناعة، مدعومة بإرادة سياسية واعية وقيادة تضع مجالات التنمية الاقتصادية في مقدمة الأولويات.
وخلال السنوات الأخيرة، شهد هذا التعاون دفعة قوية مع توقيع سلسلة من الاتفاقيات النوعية، أبرزها اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار التي صادق عليها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في 10 مارس 2025، قبل دخولها حيز التنفيذ في 8 مايو من العام ذاته، بعد استكمال الإجراءات القانونية من الجانبين.
وتمثل هذه الاتفاقية محطة محورية في مسار التكامل الاقتصادي بين البلدين، بما توفره من بيئة قانونية مستقرة وحوافز جاذبة للمستثمرين، إلى جانب ضمانات شاملة لحماية رؤوس الأموال، ومعاملة عادلة ومنصفة، وآليات واضحة لتسوية النزاعات.
وإلى جانب تعزيز الحماية الاستثمارية، تتضمن الاتفاقية أبعاداً حديثة تتماشى مع التحولات العالمية في التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي، حيث تشمل التعاون في مجالات حماية البيانات، والخصوصية، والأمن السيبراني، وحقوق الملكية الفكرية، إضافة إلى تنظيم التوقيع الإلكتروني والتوثيق الرقمي، وتبادل الخبرات وبناء القدرات الفنية. ويعكس هذا التوجه سعي البلدين إلى دعم التحول الرقمي وتوفير بيئة اقتصادية عصرية قادرة على مواكبة التغيرات الدولية.
وتُظهر المؤشرات الاقتصادية تنامياً واضحاً في حركة التجارة بين البحرين والإمارات، لتؤكد الإمارات مكانتها كأحد أبرز الشركاء التجاريين للبحرين.
كما تتميز العلاقات الاستثمارية بين الجانبين بعمق وامتداد تاريخي، إذ بلغ حجم الاستثمارات المتبادلة نحو 8 مليارات دولار خلال العشرين عاماً الماضية. ويملك أكثر من 7000 مستثمر إماراتي أسهماً في بورصة البحرين، فيما يمتلك 812 إماراتياً عقارات داخل المملكة، إلى جانب 1846 شركة إماراتية لديها سجلات تجارية فعالة.
وتعززت الشراكة الاقتصادية عبر حزمة من الاتفاقيات والمذكرات، من بينها اتفاقية "تجنب الازدواج الضريبي” الموقعة مطلع عام 2024، والتي تسهم في خلق بيئة أعمال أكثر جاذبية وتنافسية، وتسهيل حركة رؤوس الأموال وتخفيف الأعباء المالية على المستثمرين.
وفي نهاية نوفمبر 2024، استكمل البلدان إجراءات تفعيل مذكرة التفاهم بين وزارة الصناعة والتجارة البحرينية ووزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتية، بشأن التعاون بين برامج المحتوى الوطني الإماراتي وبرنامج القيمة المحلية المضافة (تكامل) في البحرين. وتشكل هذه الخطوة دعامة مهمة لتعزيز التكامل الصناعي، ودعم استدامة سلاسل الإمداد، وتعزيز الأمن الغذائي، وتنمية الصناعات الوطنية في البلدين.
كما أسفرت اجتماعات اللجنة الوزارية العليا المشتركة السابقة عن توقيع خمس اتفاقيات ومذكرات تفاهم في الطاقة المتجددة، والثورة الصناعية الرابعة، والتدريب المهني، والخدمة المدنية، والتعليم الجامعي، إضافة إلى تفعيل اتفاقيات أخرى كانت موقعة سابقاً.
ويجمع مسؤولو البلدين على أن اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار تشكل نقطة تحول في مسار العلاقات الاقتصادية، حيث تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون القائم على الشفافية والعدالة، وتعزز من تنافسية الاقتصادين، وتفتح آفاقاً واسعة للاستثمارات النوعية في القطاعات الحيوية.
وتأتي هذه الجهود متسقة مع رؤية البحرين الاقتصادية 2030، ومع الاستراتيجية الإماراتية لتنويع الاقتصاد وتوسيع قاعدة الاستثمارات.وبهذا المسار المتطور، تواصل البحرين والإمارات ترسيخ نموذج اقتصادي متين يقوم على التكامل والاستدامة، ويعكس عمق العلاقات الأخوية التي تجمعهما، والطموحات المشتركة في بناء اقتصاد خليجي حديث قادر على مواجهة التحديات العالمية واستثمار الفرص المستقبلية.