دائماً ما تستوقفني تلك الصورة التعبيرية التي تُبرز الفارق بين المسؤول والقائد.

في الصورة الأولى نرى مسؤولاً يجلس على كرسيه محمولاً من أطرافه الأربعة بواسطة الموظفين، بينما يكتفي هو بالإشارة إلى الأمام. أما الصورة الثانية، فتُظهر مسؤولاً يقف في الصف الأول، يمسك الحبال ويجرّ العربة، ومن خلفه موظفوه يساندونه في عملية الجر.

المقارنة بين المشهدين جلية للغاية؛ فليس مسؤولاً حقيقياً من يكتفي بالجلوس على كرسيه ليمارس سلطة الأمر والنهي، أو من يوزّع التعليمات دون مراعاة لواقعيتها أو لإمكانية تنفيذها. المسؤول القائد هو الذي يتقدم الصفوف، ويعمل مع فريقه، ويبذل الجهد ويتحمل المشقة. وعندما يوجّه موظفيه أو يُصدر إليهم تعليمات، يشعرون بأنها نابعة من خبرة عملية تراكمية، وأنه لم يُمنح منصبه بدافع مجاملة أو محسوبية، بل لأنه صاحب كفاءة حقيقية يستحق موقعه. والأهم من ذلك أنه لا يجد حرجاً في النزول من كرسيه ومغادرة مكتبه ليشارك موظفيه في ميدان العمل، ويعمل جنباً إلى جنب مع أصغر رتبة إدارية، دون مباهاة أو شعور بالفوقية.

أي مؤسسة تطمح إلى التطور والارتقاء والإنجاز، تحتاج قبل كل شيء إلى بيئة عمل ديناميكية تمنح أفرادها الشعور بالراحة وبالحافز. بيئة يشعر فيها الجميع بأهمية العطاء المصحوب بابتسامة واقتناع. وكل ذلك لا يتحقق إلا بوجود قائد حقيقي، شخص يسيطر على المنصب ولا يسمح للكرسي بأن يسيطر عليه، ويصبح قدوة ومثالاً حياً لفريقه.

وعلى الجانب الآخر، إذا أردت أن تهدم قطاعاً ما أو أن تُهلك نفسيات العاملين فيه، بحيث يعجزون عن تحقيق الأهداف بما ينسجم مع توجّهات الدولة؛ فضع على رأسه مسؤولاً يتعامل مع موقعه كما لو كان منزله الخاص، ويعامل الموظفين كأنهم يعملون لديه، ويكتفي بإصدار الأوامر من علوٍّ شاهق، مستمتعاً بتحميل الآخرين أعباءً نفسية ومهنية.

الأسوأ أن هذا النوع من المسؤولين عندما يتحقق إنجاز بفضل جهود الموظفين وتفانيهم وسهرهم، يهرع إلى مقدمة المشهد لينسب الفضل إلى نفسه، مدّعياً أن النجاحات من «بنات أفكاره»، بينما هو لا يدري شيئاً عن تفاصيل الإنجاز ولا عن حجم العمل المبذول، وكل ما يعرفه مجرد إصدار التعليمات.

اعتدتُ القول إن الفارق بين القائد والمسؤول كبير. ويمكن اختصار هذا الفارق في بضع كلمات، إذ القائد هو من يصنع القيمة والهالة للكرسي والمنصب، ويظل أثره حاضراً بعد رحيله، يُذكر بكفاءته وإنجازاته وتعاملِه الإنساني والمهني الراقي. أما المسؤول الذي تصنعه الكراسي، فهو الذي تُفقده المناصب قيمته بمجرد أن يغادرها؛ بل قد يشعر موظفوه، عند رحيله، بأن عبئاً ثقيلاً قد زال.

والسؤال الأخير لأي صاحب منصب، أي نوع أنت؟!