تنطلق اليوم من قلب بلادنا قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وللتذكير بأن قممنا الخليجية تمثل محطات استراتيجية تُبنى عليها مواقف وسياسات تصنع الفارق في حاضر المنطقة ومستقبلها.

اجتماع قادة دول المجلس يأتي في مرحلة تتقاطع فيها التحديات والفرص، وتفرض واقعًا جديدًا يدعو إلى بناء منظومة خليجية أكثر مرونة وتماسكًا في مواجهة التحولات الدولية. وهنا نؤكد مجددا الحاجة المتزايدة إلى بلورة رؤية جماعية شاملة تُعبّر عن موقف خليجي موحد، يستند إلى الفهم العميق للمتغيرات الجيوسياسية المحيطة. وتُعد القمة فرصة ثمينة لتدشين مرحلة جديدة من التعاون، بما يعزز الإنجازات السابقة ويحفظ المكتسبات، ويمنح المجلس قدرة أكبر على التأثير الإقليمي والدولي.

الرؤية الخليجية أصبحت أكثر نضجًا اليوم في إدراكها أن العمل الجماعي بات ضرورة لا خيارًا، والمواقف الموحدة تعكس حجم القوة التي يتمتع بها المجلس كمجموعة مؤثرة على الساحة الدولية. وأيضا هذه القمة تشكل مناسبة لتقييم المسار الخليجي في السنوات الماضية، والبناء على النجاحات التي رسّخت مكانة الخليج كمحور للاستقرار والتنمية.

العالم ينظر إلى دول مجلس التعاون الخليجي اليوم كفاعل اقتصادي رئيسي، يمتلك تأثيرًا ملموسًا في ملفات الطاقة والتجارة والاستثمار. وهذا الحضور المتصاعد على الساحة الدولية نتيجة لسياسات مدروسة وشراكات متنوعة استطاعت دول المجلس من خلالها تعزيز مكانتها الدولية، وتوسيع علاقاتها لتشمل قوى متعددة من الشرق والغرب، مما يعكس مرونة في التوجهات ووضوحًا في الأهداف.

في هذا الإطار، تكتسب رئاسة مملكة البحرين لأعمال القمة بُعدًا خاصًا، لما تمثّله القيادة البحرينية من نموذج متميز في الحكمة السياسية والحرص على العمل الجماعي. حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه معروف بدعمه المستمر لنهج السلام والحوار، وسعيه إلى ترسيخ وحدة الصف الخليجي كقاعدة لاستقرار المنطقة. ومن المتوقع أن تتضمن كلمته في الجلسة الافتتاحية رسائل محورية تعبّر عن تطلعات الدول الأعضاء نحو مزيد من التقارب والتكامل، وتعكس التزام البحرين بدورها الفاعل في دعم العمل الخليجي المشترك.

الخطاب البحريني يمثل دائمًا دعوة مفتوحة لتعزيز التواصل مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، استنادًا إلى قيم التسامح والتفاهم، وتأكيدًا على أن الخليج العربي مؤهل ليكون منصة للحوار العالمي الدائم. وهنا الدبلوماسية الهادئة التي تنتهجها البحرين رسّخت موقعها كطرف فاعل يحظى بالتقدير على الساحة الدولية، ويعمل باستمرار للدفع باتجاه الاستقرار الإقليمي من خلال الحوار والانفتاح.

انعقاد القمة في البحرين يحمل دلالات مهمة تؤكد على وحدة المصير والتطلعات بين دول المجلس. وعليه المواطن الخليجي، الذي يظل محور كل السياسات، يتطلع إلى مخرجات تُحدث فارقًا مؤثرا في مستوى التعاون، وتفتح آفاقًا جديدة نحو مستقبل أكثر ازدهارًا وأمانًا.

نحن اليوم أمام لحظة يتوجب فيها تحويل الطموحات المشتركة إلى خطط قابلة للتنفيذ، تعكس روح الشراكة وتُترجم قوة المجلس إلى واقع ملموس يلمسه الجميع.