عهود يوسف المحمود

تمثل قرارات القمة السادسة والأربعين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في المنامة تحولاً إستراتيجياً نحو ترسيخ آليات التكامل الاقتصادي المؤسسي والمادي، بهدف رفع الكفاءة الاقتصادية المشتركة وتوحيد المعايير التنظيمية، ويمكن تحليل هذه القرارات ضمن إطار الاقتصاد الإقليمي الجديد، الذي يركز على البنية التحتية، وتنظيم السوق، والالتزام بالاستدامة.

يهدف اعتماد إنشاء هيئة الطيران المدني لدول المجلس إلى دمج الأطر التنظيمية والفنية لقطاع الطيران المدني وهذا التوحيد يعد ضرورياً لتعزيز مكانة المنطقة كمركز لوجستي عالمي، من المتوقع أن يقلل هذا التوحيد من التكاليف التشغيلية والإجرائية لشركات الطيران الخليجية الضخمة. حيث تعكس الإحصاءات الحالية الأهمية المتزايدة للقطاع؛ فقد سجلت بعض مطارات المنطقة نمواً في عدد المسافرين بنسبة تجاوزت 13.2% في النصف الأول من عام 2024 وفق بيانات مطار البحرين الدولي . كما يمثل اعتماد الاتفاقية العامة لربط دول المجلس بمشروع سكة الحديد التزاماً استثمارياً ضخماً سيغير من ديناميكيات حركة التجارة والنقل، حيث يقدر الطول الإجمالي للمسار بـ2,117 كيلومتر، وتشير التقديرات السابقة للتكلفة إلى أنها تتراوح بين 15 إلى 25.6 مليار دولار أمريكي، وهذا الاستثمار الضخم يهدف إلى إنشاء شريان لوجستي يعزز التجارة البينية التي بلغت قيمة صادراتها السلعية البينية غير النفطية نحو 45 مليار دولار في عام 2024، مع نمو قدره 3.7% وفقاً للمركز الإحصائي الخليجي، ومن المتوقع أن يؤدي توفير وسيلة نقل سريعة وفعالة بكميات ضخمة إلى تخفيض التكاليف اللوجستية، مما يدعم تسعير المنتجات الخليجية وزيادة تنافسيتها في الأسواق الإقليمية والدولية.

إن اعتماد القواعد الموحدة لملاك العقارات المشتركة يمثل تقدما في البعد التشريعي للسوق الخليجية المشتركة، ويعكس جهداً منظماً لتوحيد بيئة الأعمال، يهدف القرار إلى توفير إطار قانوني موحد لإدارة الملكية المشتركة، مما يقلل من المخاطر التشريعية ويزيد من ثقة المستثمر والمواطن الخليجي في تملك الأصول العقارية في أي دولة عضو. تمثل القمة السادسة والأربعون لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في المنامة نقطة تحول مفاهيمية في مسيرة التكامل الخليجي، حيث انتقلت بوصلة العمل المشترك من مرحلة التنسيق السياسي ووضع الأهداف إلى طور التحريك العملي والتنفيذ الواقعي للمشاريع الإستراتيجية ذات القيمة الاقتصادية العليا. يمكن تحليل القرارات الصادرة عن هذه القمة ضمن إطار «الاقتصاد الإقليمي الجديد»، الذي يرتكز على بناء البنية التحتية الصلبة، وتوحيد الأطر التنظيمية للأسواق، والالتزام المشترك بالاستدامة. أصبح التكامل المؤسسي لقطاع الطيران المدني أمرا حتميا لتعظيم الاستفادة من الموقع اللوجستي العالمي للمنطقة. ولهذا، يهدف اعتماد إنشاء هيئة الطيران المدني لدول المجلس إلى دمج الأطر التنظيمية والفنية، مما يخفف من التكاليف التشغيلية والإجرائية ويزيد من كفاءة شركات الطيران الكبرى، خاصة وأن الإحصاءات تؤكد الأهمية المتزايدة للقطاع بتسجيل بعض مطارات المنطقة نموا ملحوظا في عدد المسافرين تجاوز 13.2% في النصف الأول من عام 2024، وفي الإطار المادي، يمثل اعتماد الاتفاقية العامة لربط دول المجلس بمشروع سكة الحديد التزاماً استثمارياً هائلاً بمسار يقدر طوله بـ2.117 كيلومتر وبتكلفة تقديرية تتراوح بين 15 إلى 25.6 مليار دولار أمريكي. هذا المشروع الحيوي يهدف إلى تحويل ديناميكيات التجارة والنقل عبر إنشاء شريان لوجستي فعال، وتكمن قيمته في دعم التجارة البينية التي بلغت قيمة صادراتها السلعية البينية غير النفطية نحو 45 مليار دولار في عام 2024، محققة نموا قدره 3.7%، ومن المتوقع أن يؤدي توفير وسيلة نقل سريعة وفعالة إلى تخفيض كبير في التكاليف اللوجستية، مما يعزز التنافسية السعرية للمنتجات الخليجية إقليميا وعالميا. في الجانب التشريعي والقانوني، أسهم اعتماد القواعد الموحدة لملاك العقارات المشتركة في تحقيق تقدم ملموس ومهم في البعد القانوني للسوق الخليجية المشتركة، مكملا بذلك مشاريع البنية التحتية. يهدف هذا القرار إلى توفير إطار قانوني موحد لإدارة الملكية المشتركة، وهو ما يقلل بشكل فعال من المخاطر التشريعية التي قد تواجه المستثمر أو المواطن الخليجي، ويزيد من ثقته في تملك الأصول العقارية في أي دولة عضو. إن هذا التوحيد يدعم بشكل مباشر وضروري انسياب رأس المال بين دول المجلس، ويعكس جهدا منظما لتوحيد بيئة الأعمال، مما يرسخ مفهوم المواطنة الاقتصادية الخليجية ويعزز الاستقرار القانوني للمستثمرين في السوق الإقليمية.

لقد أشرقت مخرجات قمة البحرين الـ 46 بنور الرؤية الاستراتيجية الثاقبة لـجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، مجسدة حكمة قيادية اختارت أن تنقل سفينة العمل الخليجي المشترك من مرسى التنسيق إلى بحر التنفيذ الفعلي؛ حيث تجلت حكمة جلالته في إعطاء الأولوية للملفات الاقتصادية والمؤسسية الملموسة، محولا بذلك التكتل من إطار سياسي إلى كتلة اقتصادية متكاملة تستند إلى البنية التحتية المترابطة والتشريعات الموحدة، وعليه فإن احتضان البحرين لهذه القرارات التنفيذية يرسخ دورها المحوري كمركز للتعاون والازدهار الإقليمي، مؤكداً أن الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام لشعوب المنطقة يكمن في وحدة الصف والعمل الميداني المشترك.