أنهيت مشاهدة فيلم فرانكنشتاين الذي تجاوز ثلاثين مليون مشاهدة خلال 10 أيام، نجاح لا يعود -في ظني- إلى قصة المسخ الذي وجد الحب رغم بشاعته، بل إلى شيء أعمق بكثير.
الفيلم لامس أعماق الجميع، وجعلهم يشعرون مثله بألم الرفض بسبب الاختلاف، القبح، الغرابة، وذلك لأنه في النهاية كان مثلنا جميعاً: مجموعة إنسان مليء بالندوب المرئية وغير المرئية، خليط من الجراح والألم والعقد النفسية والتجارب التي تشوه الروح ومع ذلك يحاول أن يكون إنساناً، وأن يعامل كأنه واحد منهم.
نحن لا نولد ككائنات كاملة، بل نخرج إلى العالم كمادة خام، والعالم يتولى مهمة تشويهنا وتحويلنا إلى مجموعة قطع متنوعة تعيش اختبارات الحياة القاسية.
ومنذ اللحظة الأولى، يبدأ مشروع عملية تجميع لا تنتهي، ترميم لا يكتمل، ومحاولة يائسة لتركيب أجزاء لا تنسجم أساسًا، تحاول أن تتماسك وهي على وشك الانهيار.
نحاول أن نكون كاملين ومكتملين حتى نرضي الآخرين أولاً قبل أنفسنا. نبحث عن القبول في أعين الناس. نمضي في الحياة حاملين عيوبنا، ونأمل أن نسترها عن الآخرين، أو على الأقل -إذا كُشفت -نتمنى أن يتقبلوها.
ومع شعورنا الداخلي بالهشاشة والوضاعة، نبدأ في وضع الأقنعة. قناع القوة كي لا نُرى ضعفاء، قناع التماسك لأن الانكسار محرج، وقناع السعادة لأن الحزن يبدو كأنه عار. لكن الحقيقة هي أن الأقنعة لا تُخفي، بل تلتصق بنا حتى يصبح نزعها أشبه بتمزيق الجلد نفسه.داخل كل واحد منّا وحش صغير، يظهر في اللحظات التي نصمت فيها، ويذكّرنا بأننا مركّبون من خوفٍ قديم ورغبة للنجاة وأمل بعيد بأن نُحَبّ.
ومع مرور الوقت، ندرك أنّ الجروح لا تُشفى، بل تعيش فينا، والخيبات لا تُمحى، بل يعاد تدويرها، ولهذا نتعلق بالحياة رغم تشوّهها، كأن داخلنا صوتاً داخلياً يهمس فينا: المعنى ليس فيما نحاول إصلاحه، بل فيما نتحمله في كل يوم دون أن ننهار بالكامل.
في النهاية، نحن لا نصنع نسخة كاملة من أنفسنا. نحن فقط نحرص ألا تتناثر القطع أكثر من اللازم، وعندما يشتد الألم، لا يتبقى لنا إلا الضحك. ضحكة مرّة لكنها صادقة. ضحكة تقول: أنا مخلوق مشوه... ومع ذلك مازلت أقف أمامكم بكرامة. وهذا في حد ذاته معجزة. فنحن في النهاية فرانكنشتاين بشكل أو بآخر.