نجا رئيس بنين، باتريس تالون، من واحدة من أكثر اللحظات توترًا في مسيرته السياسية، بعدما أحبطت السلطات محاولة انقلابية استهدفته في كوتونو، لتعيد الأحداث تسليط الضوء على الرجل الذي صعد من عالم الأعمال إلى قمة السلطة وسط مسار حافل بالتحولات والاتهامات والانتصارات السياسية.

وأعلن عسكريون، اليوم الأحد، عبر التلفزيون، أنهم "أقالوا الرئيس باتريس تالون من منصبه"، لكن سرعان ما أفادت مصادر مقربة من القائد البالغ من العمر 67 عامًا، أن الوضع تحت السيطرة، وقد طُرد المتمردون من مقر الرئاسة.

مراحل مثيرة

وكان من المقرر أن يتنحى تالون عن منصبه في أبريل/ نيسان المقبل، بعد عشر سنوات في السلطة، إذ حاول مدبرو الانقلاب في البداية اقتحام منزله في كوتونو، العاصمة الاقتصادية لبنين وأكبر مدنها؛ إلا أنهم صُدوا، حيث تُحلق الآن طائرات هليكوبتر فوق المدينة الساحلية، التي تشهد تواجدًا عسكريًا مكثفًا.

ومرت حياة باتريس تالون السياسية بعدة مراحل مثيرة بدأت من المال ومصدر جمع ثروته في قطاع المدخلات الزراعية في ثمانينيات القرن الماضي، ثم في مجال حلج القطن في بنين خلال التسعينيات وعام 2000.

لكن ثروة تالون لم تكن وحدها ما لفت الأنظار إليه؛ فقد ارتبط اسمه سياسيًا بالرئيس الأسبق توماس بوني يايي، إذ موّل حملته الانتخابية عام 2006.

غير أن العلاقة بين الرجلين تدهورت بدءًا من عام 2011 على خلفية خلافات حول برامج الدعم والاستيراد، قبل أن تنفجر الأزمة باتهام تالون في 2012 بمحاولة تسميم الرئيس، وهي التهمة التي نفى صحتها واعتبرها "فبركة"، قبل أن يتم إسقاطها قضائيًا في مايو/ أيار 2013، أثناء وجوده في منفى اختياري في باريس.

وقد احتل المرتبة الخامسة عشرة بين أغنى الأشخاص في منطقة إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى الناطقة بالفرنسية، في تصنيف مجلة "فوربس" لعام 2015، وتقدر ثروته الصافية بنحو 400 مليون دولار.

من المنفى إلى الرئاسة

عاد تالون إلى بلاده عام 2015 في توقيت مفصلي، وخاض الانتخابات الرئاسية بعد أشهر قليلة ليحقق فوزًا واضحًا في مارس/ آذار 2016، بدعم تحالف سياسي لعب فيه رجل الأعمال سيباستيان أجافون دور "صانع الملوك"، قبل أن يتحول لاحقًا إلى خصم بارز.

واعترف خصمه آنذاك، رئيس الوزراء المنتهية ولايته ليونيل زينسو، بالهزيمة ليلة الانتخابات، وأدى تالون اليمين رئيسًا في أبريل/ نيسان 2016، قبل أن يعزز سيطرته السياسية بإعادة انتخابه في 2021 بنسبة تجاوزت 86%.

وإلى جانب سجله الاقتصادي، تولى تالون في مارس/ آذار 2022 رئاسة الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، في مؤشر على حضوره الإقليمي المتصاعد.

مرحلة سياسية جديدة

ووفق نص تعديل دستوري جديد صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني، سيغادر الرئيس الحالي باتريس تالون منصبه في أبريل/ نيسان المقبل بعد 10 سنوات في الحكم، فاتحًا الباب أمام مرحلة سياسية جديدة.

ومع اقتراب الانتخابات المقبلة، يبرز وزير المالية روموالد واداغني، باعتباره المرشح الأوفر حظًا لخلافته، مدعومًا بعلاقته الوثيقة بالرئيس وأجواء سياسية تقصي أبرز قوى المعارضة بفعل شرط "البرلمانيين المساندين".

وقد أقر البرلمان في بنين تغييرًا في ملامح الحياة السياسية في البلاد، وذلك بتمديده مدة الولاية الرئاسية من 5 إلى 7 سنوات ابتداءً من عام 2026، وإنشاء مجلس للشيوخ لأول مرة في تاريخ الجمهورية.

وقد استُبعد حزب المعارضة الرئيسي من السباق، الذي سيُواجه فيه الحزب الحاكم خصمًا يُوصف بأنه "معتدل".

وعبر التلفزيون الحكومي كان قد أعلن قادة الانقلاب، برئاسة المقدم باسكال تيغري، عن تشكيل "لجنة عسكرية لإعادة تأسيس البلاد".

وأعلنوا تعليق العمل بالدستور وجميع المؤسسات والأحزاب السياسية، بالإضافة إلى إغلاق حدود بنين، وأوضحوا أن أسباب تمردهم هي "حكم باتريس تالون وحرمان بعض المواطنين من حقهم في اختيار مرشحهم"، وكذلك "إقرار قوانين تُثير الأزمة" وسجن أو "نفي بعض المواطنين".

ورغم الإشادة بالتنمية الاقتصادية لبنين، يُتهم باتريس تالون بانتظام من قِبل منتقديه باتباع نهج استبدادي في بلد كان يُعرف سابقًا بديمقراطيته النابضة بالحياة.