حسن الستري


البحرين بين الأصالة والتحديث.. نموذج وطني للتنمية المستدامة

تنويع اقتصادي وتطوير حكومي يعززان تنافسية البحرين إقليمياً ودولياً

من الإصلاح الوطني إلى الحضور الدولي.. البحرين ترسّخ دولة القانون والتنمية

الأعياد الوطنية تجدّد العهد.. البحرين تواصل بناء المستقبل بثقة واستدامة

تحلّ الأعياد الوطنية وعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، وما يصاحبها من مناسبات وطنية، لتشكّل محطة وطنية جامعة، تستحضر مسيرة وطنٍ اختار منذ استقلاله طريق البناء والتحديث، ورسّخ نهج الإصلاح والتنمية المستدامة، وجعل من الإنسان البحريني محوراً أساسياً لكل مشروع نهضوي، ومن الاستقرار قاعدة راسخة للانطلاق نحو آفاق أرحب من التقدم والازدهار.

وفي هذه المناسبة الغالية، تتجدد معاني الانتماء والولاء، وتتلاقى مشاعر الفخر الوطني مع حصاد متواصل من الإنجازات التنموية والاقتصادية والتشريعية والتعليمية، التي تعكس رؤية قيادية حكيمة، وعملاً حكومياً مؤسسياً، وتكاملاً وطنياً بين مختلف مكونات الدولة، ضمن مسيرة تنموية شاملة يقودها جلالة الملك المعظم، وتواصل الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، تنفيذها بروح الفريق الواحد.

ومنذ انطلاق مشروع الإصلاح الوطني مطلع الألفية الجديدة، شكّلت الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين إطاراً استراتيجياً موجّهاً لمسارات التنمية، يقوم على التنويع الاقتصادي، والاستدامة المالية، وتنافسية الاقتصاد، والاستثمار في رأس المال البشري. وقد ترافقت هذه الرؤية مع التزام وطني راسخ بالحفاظ على الهوية البحرينية، بوصفها عنصراً أصيلاً في التنمية الشاملة، وجسراً يربط بين الماضي العريق والحاضر المتجدد والمستقبل الطموح.

وتؤكد التوجهات الوطنية المتواصلة أهمية المواءمة بين متطلبات الحداثة والتقدم التكنولوجي، وبين صون القيم الثقافية والاجتماعية، بما يعزز الأمن الوطني بمفهومه الشامل، ويحفظ الموارد الطبيعية، ويضمن استدامتها للأجيال القادمة. وهو نهج يعكس خصوصية التجربة البحرينية القائمة على التوازن والانفتاح الواعي، دون التفريط بالثوابت الوطنية. وفي المجال الاقتصادي، واصلت مملكة البحرين ترسيخ نموذج اقتصادي مرن ومتنوع، نجح في تقليل الاعتماد على الموارد التقليدية، وتعزيز دور القطاعات غير النفطية كمحرك رئيس للنمو، وفي مقدمتها القطاعات المالية والمصرفية، والسياحة، والصناعات التحويلية، والاتصالات، والتكنولوجيا، والخدمات اللوجستية، والنقل.

وساهم هذا التنوع في تعزيز مكانة البحرين كمركز إقليمي للأعمال والاستثمار، مدعوماً ببنية تشريعية مرنة، وبيئة أعمال محفزة، وشراكات استراتيجية بين القطاعين العام والخاص. كما عززت الاتفاقيات الدولية لحماية وتشجيع الاستثمار ثقة المستثمرين، ورسخت صورة المملكة كوجهة جاذبة لرؤوس الأموال، ومركز متقدم للخدمات المالية والتجارية في المنطقة.

وانعكست هذه الجهود على حضور البحرين في التقارير والمؤشرات الدولية، التي عكست مستويات متقدمة من التنافسية، وكفاءة السياسات الحكومية، ومرونة الاقتصاد، وقدرته على التكيف مع التحولات العالمية، بما يعزز الثقة الدولية في المسار التنموي للمملكة.

وفي إطار التطوير الحكومي، أولت البحرين اهتماماً كبيراً بتحديث الأداء المؤسسي، والارتقاء بجودة الخدمات العامة، عبر تبني أفضل الممارسات الإدارية، وتسريع التحول الرقمي، وتوسيع نطاق الخدمات الإلكترونية، بما يسهّل على المواطنين والمقيمين إنجاز معاملاتهم، ويعزز الكفاءة والشفافية.

كما شمل التطوير الحكومي مختلف القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها الإسكان، والتعليم، والصحة، والبنية التحتية، والنقل، والطاقة، والاستدامة البيئية، والأمن الغذائي، بما يعكس رؤية شمولية للتنمية، تراعي البعد الاجتماعي إلى جانب البعد الاقتصادي، وتسهم في تحسين مستوى المعيشة وجودة الحياة.

ويظل الإنسان البحريني حجر الأساس في مسيرة التنمية، وهو ما تجسده السياسات التعليمية والتدريبية التي تهدف إلى بناء رأس مال بشري مؤهل، قادر على المنافسة في سوق العمل، ومواكبة متطلبات الاقتصاد الحديث. وقد شهد قطاع التعليم تطوراً ملحوظاً على مستوى المناهج، والبنية التحتية، وربط مخرجات التعليم باحتياجات التنمية وسوق العمل.

كما حظي الشباب البحريني باهتمام خاص، عبر برامج ومبادرات وطنية تعزز مشاركته في مسيرة التنمية، وتدعم الابتكار وريادة الأعمال، وتفتح أمامه آفاقًا أوسع للإبداع والمبادرة، بما يؤكد الإيمان بدور الشباب كشريك فاعل في صناعة المستقبل.

وعلى الصعيد التشريعي، واصلت مملكة البحرين ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، في ظل ملكية دستورية تقوم على الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، واحترام الحقوق والحريات. وأسهم تطوير التشريعات الوطنية في تعزيز العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وحماية حقوق الإنسان، بما يتوافق مع المعايير الدولية.

وفي هذا السياق، برزت المرأة البحرينية كشريك أساسي في التنمية، بفضل التشريعات والسياسات الداعمة لتمكينها، وحضورها المتزايد في مواقع صنع القرار، والمجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بما يعكس نهج الدولة في تحقيق المساواة والعدالة. ولم تقتصر إنجازات البحرين على الداخل، بل امتدت إلى دور فاعل على الساحتين الإقليمية والدولية، من خلال سياسة خارجية متوازنة، تدعم الحوار والتعايش، وتسهم في تعزيز الأمن والسلم، وتدعو إلى الحلول السلمية للنزاعات، بما يعكس مكانة البحرين كدولة داعمة للاستقرار، ومؤمنة بأهمية العمل المشترك.

لذلك، تأتي الأعياد الوطنية لتجدد العهد بين القيادة والشعب، وتؤكد أن مسيرة البناء مستمرة، وأن ما تحقق من إنجازات هو ثمرة رؤية حكيمة، وعمل دؤوب، وتلاحم وطني صادق. إنها مناسبة للاحتفاء بوطنٍ يعتز بتاريخه، ويثق بحاضره، ويتطلع بثبات إلى مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة، لتبقى مملكة البحرين نموذجاً وطنياً في التنمية والاستقرار والنهضة المتواصلة.