لا تمرّ المناسبات الوطنية في مملكة البحرين بوصفها تواريخ عابرة في الذاكرة، بل تأتي محمّلةً بدلالاتها العميقة، وما تختزنه من معانٍ شكّلت ملامح الوطن ورسّخت مسيرته. ويكتسب هذا المشهد الوطني معناه الأوسع، حين تتقاطع الأعياد الوطنية مع يوم الشهيد، في صورة تختزل معنى الوفاء، وتؤكد أن الفرح بالوطن لا ينفصل عن الاعتزاز بمن صانوه وضحّوا لأجله.

وفي هذا الإطار، جاءت رعاية حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، للاحتفال الذي أُقيم في قصر الصخير بمناسبة أعياد البحرين الوطنية، وعيد الجلوس السادس والعشرين لجلالته، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، لتجسّد عمق هذا المعنى الوطني، وتؤكد أن مسيرة البحرين تقوم على التلاحم، وتستمد قوتها من عطاء أبنائها المخلصين في مختلف مواقع المسؤولية.

وفي كلمته السامية، عبّر جلالة الملك المعظم عن اعتزازه بما حققته البحرين من إنجازات، وبما يقدمه المواطن البحريني من إسهامات مشرّفة في ميادين الخدمة والعمل والإنتاج، مجدداً العهد على مواصلة مسيرة النهضة، وصون قيم العيش المشترك ووحدة الصف الوطني، وهي القيم ذاتها التي شكّلت جوهر تضحيات الشهداء، وركيزة الأمن والاستقرار الذي تنعم به المملكة اليوم.

ويأتي يوم الشهيد في السابع عشر من ديسمبر محطة وفاءٍ صادقة، نستحضر فيها تضحيات رجالٍ قدّموا أرواحهم دفاعاً عن الوطن، والعروبة، والدين، وصوناً لأمنه، وحمايةً لوحدته ونهجه الوطني. فلا يُستحضر الشهداء باعتبارهم ذكرى، بل بوصفهم قيمة وطنية راسخة، لأن ما تنعم به البحرين اليوم من طمأنينة وحياة طبيعية نابضة هو ثمرة تضحيات جسيمة، قدّمها رجال أوفوا بالقَسَم، وواجهوا التحديات بإيمانٍ راسخ، واضعين مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

لقد شكّلت تضحيات الشهداء دعامة أساسية لمسيرة الدولة، وأسهمت في ترسيخ هيبة القانون، وتعزيز ثقة المجتمع، وحماية المكتسبات الوطنية. وهي تضحيات لا تُستعاد بوصفها حدثاً عابراً، بل باعتبارها جزءاً أصيلاً من الوعي الوطني، ومصدراً دائماً لثبات المسار واستمرارية النهج الذي أكدت عليه القيادة الحكيمة في مختلف محطاتها الوطنية.

وإذ تحتفي البحرين بأعيادها الوطنية، وتُكرّم في الوقت ذاته أبناءها المتميزين، فإنها تُعيد التأكيد على فلسفة وطنية واضحة قوامها أن الأوطان تُبنى بسواعد المخلصين، وتُصان بتضحيات الأوفياء، وتستمر بالمسؤولية المشتركة بين القيادة والشعب.

إن يوم الشهيد ليس وقفة حزن، بل وقفة وعي واعتزاز، تُجسّد أن تاريخ الأوطان يُصان بتضحيات خالدة، وتستمر مسيرته بقيادة جعلت من الإنسان البحريني محور التنمية وغايتها.

فيصل العلي