في السنوات الأخيرة، أصبحت أهمية الرصد الجوي عاملاً حاسماً في نجاح تنظيم المناسبات الرياضية الكبرى، خاصة في ظل ازدياد التقلبات الجوية وتكرار الظواهر المتطرفة.

فالرياضة لم تعد مجرد منافسة بدنية أو فنية، بل حدث جماهيري وإعلامي واقتصادي يعتمد على سلامة اللاعبين والجماهير، ودقة الجداول الزمنية، واستمرارية البث التلفزيوني، ومن هنا تبرز العلاقة الوثيقة بين الأرصاد الجوية والرياضة الحديثة.

يوفر الرصد الجوي معلومات دقيقة ومبكرة عن حالة الطقس مثل سرعة الرياح، شدة الأمطار، العواصف الترابية، الرطوبة، ودرجات الحرارة.

هذه المعطيات تساعد اللجان المنظمة على اتخاذ قرارات استباقية مثل تعديل توقيت المباريات، تغيير الملاعب، أو حتى الإلغاء المؤقت أو الكامل عند الضرورة.

فسلامة اللاعبين تأتي في المقام الأول، إذ إن الرياح الشديدة قد تؤثر في دقة اللعب، والأمطار الغزيرة قد تجعل أرضية الملعب غير صالحة، والعواصف الترابية تشكّل خطراً صحياً حقيقياً على الجهاز التنفسي.

ومثال واضح على ذلك ما جرى خلال بطولة كأس العرب، عندما تم إلغاء مباراة السعودية والإمارات بسبب ظروف جوية غير ملائمة. هذا القرار، رغم صعوبته، عكس الدور المحوري للأرصاد الجوية في حماية المشاركين ومنع وقوع حوادث محتملة. فإلغاء مباراة رياضية ليس قراراً عشوائياً، بل يعتمد على تقارير فنية دقيقة صادرة عن مراكز الرصد الجوي بالتعاون مع لجان السلامة والاتحادات الرياضية.

لقد صار التغير المناخي يلعب دوراً هاماً ليس محصورا في درجات الحرارة، بل يشمل أيضاً زيادة عدم الاستقرار الجوي، وظهور ظواهر مفاجئة وسريعة التطور مثل العواصف الرعدية المحلية، والرياح الهابطة، أو الأمطار الغزيرة قصيرة المدى، هذه الظواهر قد تكون صعبة التنبؤ بدقة عالية، حتى مع تطور النماذج العددية والأقمار الصناعي.؛ فللتغير المناخي تأثير في دقة التنبؤات الجوية؛ فبينما تطورت أدوات الرصد بشكل كبير، إلا أن الطبيعة أصبحت أكثر تعقيداً وسلوك الغلاف الجوي أكثر تذبذباً، وهذا يتطلب استثمارات أكبر في محطات الرصد المحلية عالية الكثافة، وتحسين النماذج المناخية، وتدريب الكوادر المتخصصة، إضافة إلى دمج الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الجوية.

ولا أعني هتا وجود تقصير مباشر من اللجان المنظمة للبطولة أو من الأرصاد الجوية القطرية، بل تعكس طبيعة الغلاف الجوي الحديثة وحدود التنبؤ الجوي أوجزها في التالي:

أولاً: طبيعة الظواهر الجوية المفاجئة:

بعض الحالات الجوية التي تؤدي إلى إلغاء المباريات – مثل العواصف الرعدية المحلية، والرياح الهابطة المفاجئة ، والعواصف الترابية السريعة التشكّل؛ فهذه ظواهر تعتبر قصيرة العمر ومحدودة النطاق المكاني، وقد تتطور خلال دقائق أو ساعة فقط، وهذه الحالات يصعب رصدها بدقة قبل وقت كافٍ لاتخاذ قرار تأجيل مسبق، خاصة إذا كانت النماذج تشير إلى احتمالية حدوثها وليس تأكيداً.

ثانياً: الفرق بين التوقع والقرار:

التنبؤ الجوي يعمل بمنطق الاحتمالات وليس اليقين، فمثلاً: 30–40٪ احتمال رياح قوية أو 20٪ احتمال عاصفة رعدية ، في هذه الحالة، الإعلان المبكر عن التأجيل قد يُعد قراراً مبالغاً فيه إذا لم تتحقق الظاهرة.

لذلك، تميل اللجان المنظمة إلى الانتظار حتى تتأكد الظروف ميدانياً عبر الرصد الآني باستخدام الرادارات أو الأقمار الصناعية والمحطات الأرضية.

ثالثاً: قيود النماذج العددية رغم تطورها:

إن أكثر النماذج الجوية تطوراً قد تُخطئ في توقيت الذروة أو في شدة الظاهرة أو في موقعها الدقيق (قد تنحرف عدة كيلومترات فقط، لكنها كافية لتغيير القرار) وهذا الخلل الصغير علمياً، يكون كبير الأثر عملياً في حدث رياضي.

رابعاً: البعد التنظيمي والإعلامي:

الإعلان المسبق عن تأجيل مباراة كبرى له تبعات لوجستية (الجماهير، النقل، البث)، ومالية (حقوق البث، الإعلانات)، وجماهيرية وإعلامية ، لذلك، لا يتم اتخاذ قرار التأجيل إلا عند الوصول إلى مرحلة الخطر المؤكد، وليس الخطر المحتمل.

خامساً: تأثير التغير المناخي:

التغير المناخي زاد من سرعة تشكّل الظواهر الجوية، وزاد من حدة الرياح المفاجئة، وزاد عدم استقرار التوقعات قصيرة المدى، وهذا يجعل نافذة القرار قصيرة جداً، أحياناً لا تتجاوز 30–60 دقيقة قبل الحدث.

وهذا لا يعني أن عدم الإعلان المبكر عن تأجيل مباراة السعودية والأمارات في كاس العرب 2025 هو غياب الرصد أو الإهمال، بل يعود إلى طبيعة الظواهر المفاجئة، وإلى التنبؤ الاحتمالي لا الحتمي، وقيود النماذج العددية، وحساسية القرار التنظيمي، وتعقيد المناخ الحديث؛ فالتنظيم للبطولة كان رائعا ومتقنا ، ودولة قطر باتت مثال للابداع في تنظيم البطولات العالمية الكبرى، وهذا لا يحتاج إلى تزكية شخصية مني بل بأعتراض الجهات العالمية الكبرى.

وختاماً، يمكن القول إن الرصد الجوي لم يعد عنصراً ثانوياً في تنظيم الفعاليات الرياضية، بل شريكاً أساسياً في نجاحها. ومع استمرار تأثيرات التغير المناخي، تصبح الحاجة ملحّة إلى تعزيز التعاون بين هيئات الأرصاد والجهات الرياضية، لضمان رياضة آمنة، منظمة، ومستدامة في مواجهة مناخ سريع التغير.

* أستاذ الفيزياء التطبيقية بجامعة الخليج العربي