يبحث كتاب الفقه السياسي الإيراني المعاصر-قاموس المفاهيم والمصطلحات، للدكتور عبدالستار الراوي، الصادر قبل أيام، عن مركز العصر للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية في القاهرة، في جزئه الأول، تكوين صورة للفكر الخميني الذي نشر على العالم تخلفه وظلامياته ودمويته وعنصريته.ويقع القاموس السياسي، الفكري، الذي يعد الأول في بابه وموضوعه، في ثلاثة أجزاء، يتناول الجزء الأول منه، الذي صدر مؤخراً، الفترة بين عامي 1979-1990، أما بقية الأجزاء التي تغطي المراحل السياسية اللاحقة فستظهر تباعاً. وأنجز الدكتور الراوي الجزء الأول من هذا القاموس خلال فترة عمله سفيراً لجمهورية العراق في طهران، بين العامين 2000 و2003.وجاء هذا الكتاب ليسدَّ فراغاً حقيقياً في المكتبة العربية، حيث أنجزه الباحث استناداً إلى خبرته الميدانية وعمقه الفلسفي، وبنظرة شمولية وتفصيلية، تصل إلى أدقِّ الأفكار والتحليلات والمفاهيم، متجرداً، لأعلى مدى، من نوازع الموقف الشخصي والإملاءات السياسية والعاطفية.وأهدى الدكتور الراوي، كتابه إلى ذكرى الشهداء الأبرار حراس الأوطان وقناديل النور الذين أضاؤوا ليالي الأمة الحالكات، بالأمل والغد والنهضة.ونقتبس من مقدمة الكتاب، الجزء القائل: «حفلت الثورة الإيرانية خلال العقد الأول «1979-1989» من تجربتها السياسية المفعمة بالأحداث الكبرى والصراعات المستديمة بين قواها ومراكز القرار في قيادتها، وما أنتجته تحت ظل الدولة الدينية من رؤى وأفكار لا حصر لها من بينها:شعارات كونية: أممية الثورة الإيرانية، وتصدير نموذجها الثيوقراطي إلى العالم عن طريق العنف المسلح. ونداءات تحريضية تدعو إلى قلب أنظمة الحكم في أقطار الوطن العربي والعالم الإسلامي باسم المستضعفين ضد المستكبرين. وجعل رجل الدين الإيراني «الفقيه المرشد»، وليّ أمر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها».كل هذا الحشد من الكلاميات النظرية والوقائع العملية يجعل الباحث أمام مهمة مركبة لا تخلو من معضلات جدية، وهو يحاول استقصاء تاريخ وأهداف أيديولوجية الثورة، أو يسعى إلى تدقيق مراميها والكشف عن أهدافها.إذ لم يكد ينتهي حدث ما من أحداثها المتعاقبة حتى يليه حدث آخر أشد غرابة وأكثر عجباً، فتتفجر قضية إثر قضية، وظاهرة تتلوها ظاهرة أخرى؛ ما يصعب معه متابعة تفاصيل مثل هذه الدراما الزاخرة بالوقائع والرؤى والاجتهادات، فيختلط الخطاب العاقل بالضجيج والقانون بالفوضى؛ طبقاً لتعدد مراكز التوجيه وتنوع مصادر القرار، وتداخل المواقع والإدارات، عندها تضيق الرؤية، فيتعذر التمييز والفصل بين «الخاص»، و»العام».ولعل المراجعة التقويمية لصفحات المشهد الإيراني في ظل ولاية الفقيه والتعرف على فكر «الخميني» تتيحان للباحث والقارئ معًا فرصة معرفة المقدمات الأولية خلال العقد الأول من تاريخ الثورة الإيرانية ليدرك طبيعة النتائج التي انتهت إليها التجربة الدينية، فعقب مرور ثلاثين عاماً على حركة التغيير التي بدأت في الحادي عشر من فبراير 1979 لاتزال الظاهرة الخمينية كقوة إقليمية ضاغطة على منطقة الخليج العربي، وتسعى عبر محمود نجاد إلى إحياء خطاب الحرب، واقتحام دول الجوار، والتدخل في شؤونها الداخلية، واستعادة تقاليد أيديولوجية الإرهاب الذي مارسته باسم الإسلام الثوري مرة، وتحت عباءة المستضعفين مرة أخرى طوال السنوات العشر الأولى من قيامها تحت شعار تصدير الثورة.