اتسم نهج الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، في تنفيذ مرئيات الحوار وتوصيات لجنة تقصي الحقائق، بوجود رغبة صادقة في التطوير، وقدر عالٍ من الشفافية والانفتاح والمصارحة، وحرص تام على تحقيق المصلحة الوطنية مهما كانت الصعوبات والتحديات، والتعامل بحكمة مع ما تشهده الساحتين الإقليمية والدولية من متغيرات وتطورات بالشكل الذي حفظ للبحرين كيانها وخصوصيتها. وسارت الحكومة، في اتجاهين متوازيين لتنفيذ «مرئيات حوار التوافق الوطني» وتوصيات تقرير» اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق»، باعتبارهما وثيقتين وطنيتين تعبران عن إرادة شعبية وحكومية مشتركة للمضي قدماً في طريق الإصلاح وتحقيق المزيد من المنجزات والمكتسبات الوطنية ومعالجة تداعيات الأزمة التي مرت بها المملكة العام الماضي.وعملت الحكومة جاهدة على ترجمة ما توافقت عليه الإرادة الشعبية في مرئيات الحوار إلى واقع معاش، وانتهت بالفعل من تنفيذ جميع المرئيات البالغة 290 مرئية عبر مجموعة من الإجراءات الدستورية والتشريعية والتنفيذية، كما أنجزت جانباً كبيراً من توصيات لجنة تقصي الحقائق في أقل من عام واحد على صدور تقرير اللجنة، وبشكل أسهم في تحقيق إصلاحات جوهرية في قطاعات عدة.ولاقت جهود الحكومة وتحركاتها الجادة للوفاء بتعهداتها لاستكمال مسيرة الإصلاح و التنمية، إشادات واسعة من جانب المجتمع الدولى والكيانات الكبرى، ومن بينها ثناء المنسقة العليا للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون على الجهود التي بذلتها حكومة مملكة البحرين في سبيل تنفيذ هذه توصيات لجنة تقصي الحقائق.ولعل ما يجمع بين مرئيات حوار التوافق الوطني وتوصيات لجنة تقصي الحقائق هو أن الأول يعد إطاراً عاماً وشاملاً يعكس رغبة شعب البحرين وإرادته المجتمعة على تسريع وتيرة تعزيز وزيادة المكتسبات التنموية والديمقراطية، بينما الثاني ينصب على معالجة آثار وتداعيات ما مرت به المملكة من أزمة من خلال التركيز على إدخال تعديلات نوعية على صعيد التعامل الأمني والحقوقي والإعلامي بهدف تعزيز نهج حقوق الإنسان في المملكة وعدم تكرار ما حدث من انتهاكات وتجاوزات.وحرصت الحكومة على بذل أقصى الجهود لوضع ما اشتملت عليه المرئيات والتوصيات موضع التنفيذ الفعلي وفق جدول زمني محدد، الأمر الذي يعكس إدراكها لما يشكلانه من أهمية في تقوية أسس دولة القانون والمؤسسات ومعالجة أوجه القصور، وتحقيق الإرادة الشعبية الهادفة إلى إرساء قاعدة صلبة للعمل الوطني، والدفع نحو المزيد من الإنجازات المرتكزة على تفاهمات وطنية مخلصة تضع مصلحة الوطن ومستقبله فوق أي اعتبار. وأثمرت جهود الحكومة على صعيد تنفيذ «مرئيات حوار التوافق الوطني» ، إجراء تعديلات دستورية صادق عليها جلالة الملك شهر مايو الماضي، استهدفت تطوير آلية للإسراع في إصدار التشريعات، وزيادة الصلاحيات التشريعية والرقابية لمجلس النواب، وتعزيز رقابة السلطة التشريعية على أداء السلطة التنفيذية وإعطائها دوراً أكبر في تمثيل الإرادة الشعبية من خلال تمكين مجلس النواب من مناقشة برنامج عمل الحكومة وقبوله أو رفضه واستجواب الوزراء وغير ذلك من الآليات. كما تم وفقاً لهذه المرئيات إدخال مجموعة من التعديلات على القوانين والتشريعات الحالية، وسن بعض التشريعات الجديدة، واقتراح المراسيم الملكية، بهدف استكمال المنظومة التشريعية من أجل تعزيز مبدأ سيادة القانون وصون الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان وتحقيق الأمن والأمان والاستقرار والسلامة العامة للمواطنين والمقيمين وتعزيز دعائم الديمقراطية وحماية الوحدة الوطنية.واتخذت الحكومة كذلك مجموعة من الإجراءات التنفيذية، شكلت تطوراً إيجابياً سريعاً في تطوير المنظومة التي تحكم الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحقوقي، حيث جعلتها الحكومة أولوية لعملها، وقد تكللت جهودها بالنجاح في إنفاذ جميع المرئيات التي كلفت بها. أما فيما يخص «توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق» التي جاءت بإرادة ملكية، كبادرة هي الأولى من نوعها للتحقيق فيما شهدته المملكة من أحداث، فقد باشرت الحكومة تنفيذ 26 توصية وضعتها اللجنة عبر تشكيل جهاز خاص لمتابعة إجراءات وبرامج مختلف الوزارات والجهات المعنية، في إنفاذ التوصيات المتعلقة بموضوعات التطوير القضائي، المُساءلة، التعويضات، دور العبادة، حرية التعبير، عودة المفصولين إلى أعمالهم. ويمكن استعراض أبرز الإنجازات في هذا الإطار على النحو التالي:» تم إسقاط جميع التهم المتعلقة بحرية التعبير، وجرى النظر فقط في الحالات التي تشتمل على جرائم تم استخدام العنف فيها»ـ تم إنشاء صندوق وطني لتعويض الضحايا، ومحاكم متخصصة للنظر في دعاوى التعويضات، ومن أجل تسريع تسوية الدعاوى خارج المحاكم تم إطلاق مبادرة التسوية المدنية، والتي تمكن المتضررين من تسوية مطالبهم بشكل رضائي، إذ تم تعويض 39 حالة منها الـ «35 حالة» الواردة بتقرير لجنة التقصي، إضافة إلى أربع حالات أخرى من خارج التقرير ارتأت اللجنة تعويضها بمبلغ مليونين وثلاثمائة وأربعين ألف دينار أي ما يزيد على ستة ملايين ومائتي ألف دولار لجميع الحالات التي أقرت اللجنة تعويضهم ـ تم اعادة الغالبية العظمى من المفصولين إلى أعمالهم في مختلف القطاعات والشركات، ممن لم تثبت في حقهم أية أحكام جنائية أو تكون لهم قضايا منظورة أمام النيابة العامة أو المحاكم ـ تم إنهاء إجراءات تصحيح وضعية المواقع غير المرخصة والمخالفة والتي كانت تستخدم كدور للعبادة وعددها ثلاثون موقعاًـ تابعت وزارة الداخلية إنهاء إجراءات تعيين خمسمائة شخص من كافة أطياف المجتمع ومختلف المحافظات من بينهم مائة امرأة، كما تم تجهيز 26 غرفة تحقيق بمراكز الشرطة بتسجيل سمعي ومرئي، وإنشاء 18 غرفة لمقابلات الموقوفين مع محاميهم، كما تم تزويد مقرالنيابة العامة بالأجهزة الفنية اللازمة للتسجيل الصوتي والمرئي ـ تم إنشاء وحدة تحقيق خاصة، وهي وحدة مستقلة بمكتب النائب العام للتحقيق في الأعمال والأحداث التي وقعت خلال شهري فبراير ومارس 2011، وكذلك إنشاء وحدة خاصة في النيابة العامة «وحدة التحقيق الخاصة»، مسؤوليتها الأساسية هي المساءلة- تم إصدار مدونة سلوك رجال الشرطة، كما صدر المرسوم رقم 27 لسنة 2012، بإنشاء مكتب مستقل لأمين عام التظلمات بوزارة الداخلية، وتم إنشاء مكتب المفتش العام الجديد ووضعت آليات للرقابة والإشراف - صدر المرسوم رقم 115 لسنة 2011 بتعديل أحكام المرسوم رقم 14 لسنة 2012 بإنشاء جهاز الأمن الوطني والذي جعل الجهاز معنياً بجمع المعلومات ورصدها، كما صدر المرسوم رقم 28 لسنة 2012 بإنشاء مكتب مستقل للمفتش العام ومكتب المعايير المهنية بجهاز الأمن الوطني ـ تم الشروع في برنامج تدريبي شامل لموظفي الامن، وأجريت الدورات التدريبية على مدى 6 شهور متتالية، وتضمن المنهج محاضرات في أساسيات حقوق الإنسان، والقواعد الأساسية للسلوك المهني وكيفية التعامل مع أفراد المجتمع، كما تم إضافة مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، إضافة إلى أساسيات حقوق الإنسان- تم إصدار لائحة بشأن تنظيم زيارة وتفتيش السجون وأماكن التوقيف، كما تم في 8 ديسمبر 2011، توقيع مذكرة تفاهم مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لتقوم بزيارة جميع مراكز الاحتجاز وتقديم المشورة والمساعدة إلى وزارة الداخلية في جهودها الإصلاحية، وكذلك تم إعداد وثيقة تتضمن حقوق الموقوف وتعرض عليه قبل اتخاذ أي إجراء- صدر الأمر الملكي رقم «28» لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام الأمر الملكي رقم «46» بإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وتقوم المؤسسة بالإشراف الفعال على مراكز الاحتجاز ـ تم إدخال العديد من التعديلات على المناهج التعليمية، بهدف تعزيز قيم المواطنة ونشر ثقافة حقوق الإنسان والتسامح والعيش المشترك في البيئة المدرسية ـ عملت الحكومة على إعداد مشروع قانون جديد للاتصال والإعلام يتم بموجبه تنظيم حرية الرأي والتعبير عبر مختلف وسائل الإعلام والاتصال، وإيكال هذه المهمة إلى «المجلس الأعلى للإعلام والاتصال»، ضماناً لالتزام وسائل الإعلام بالحيادية والموضوعية وتطبيق القواعد الأخلاقية المتعلقة بالمحتوى الإعلامي». والمتأمل في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتنفيذ «توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق « يمكنه استخلاص ما يلي:ـ ـ إن تعامل الحكومة اتسم بالشجاعة والجدية والمسؤولية، منذ تشكيل لجنة تقصي الحقائق بإرادة ملكية، ومن ثم قبول نتائجها وتوصياتها كاملة، والعمل وفق منهجية واضحة للتنفيذ تقوم على اتخاذ وتطبيق إجراءات هيكلية وخطوات تشريعية وتنفيذية ترسخ مفهوم دولة المؤسسات والقانون، وتعزز الإصلاحات والمكتسبات الوطنية وكفالة المزيد من الحريات والحقوق والحفاظ على تماسك الدولة واستقرارها وعلى نسيج المجتمع ووحدته الوطنية.ـ حرص القيادة الحكيمة والحكومة الرشيدة على تهيئة الأجواء الكفيلة بعودة الحياة إلى طبيعتها ومعالجة الآثار والتداعيات السلبية التي نتجت عن الأزمة، من أجل تعزيز أجواء الثقة ووفاءً بالتزاماتها ووعودها التي قطعتها على نفسها منذ قبولها بنتائج لجنة تقصي الحقائق، وهو ما يتضح من إجراءاتها في إسقاط التهم المتعلقة بحرية التعبيرعن الرأي، وتعويض الضحايا، وعودة المفصولين إلى أعمالهم، وتصحيح وضعية دور العبادة وغيرها من الإجراءات.ـ إن صيانة وحماية حقوق الإنسان في البحرين هي جزء أصيل كفله الدستور والقانون، وقد ترسخت كثقافة وممارسة على مدى السنوات الماضية بفضل الجهود والمبادرات المتواصلة للحكومة في هذا المجال.ـ شكلت توصيات لجنة تقصي الحقائق فرصة لإضافة المزيد من المكتسبات على صعيد دعم وتعزيز الحريات والحقوق في المملكة، عبر ما تم اتخاذه من إجراءات لنشر ثقافة حقوق الإنسان تعليماً وتدريباً خصوصاً في جانب التعامل الأمني مع الأشخاص وتطوير أداء الأجهزة التنفيذية في بذل جهود أكثر لمنع وقوع تجاوزات لحقوق الإنسان في المستقبل، فضلاً عن دعم وتطوير المنظومة التشريعية بالمزيد من القوانين التي تعالج النواقص في بعض الجوانب، وتوفر الضمانات اللازمة للتعامل مع الأشخاص وفق ما تقره المواثيق والمعاهدات الدولية المعنية بحقوق الإنسان. والخلاصة أن التزام حكومة مملكة البحرين بتنفيذ مرئيات حوار التوافق الوطني وتوصيات لجنة تقصي الحقائق، وما أحرزته من تقدم كبير في ذلك، إنما يأتي في إطار التزام أوسع بدعم عملية الإصلاح والتطوير الشامل التي تشهدها المملكة في ظل العهد الزاهر لجلالة الملك المفدى، وهي عملية مستمرة وتدريجية تخضع لمتطلبات واحتياجات كل مرحلة من مراحل العمل الوطني.