قال علماء وشيوخ دين إن «معنى التوكل هو صدق اعتماد القلب على خالقه في استجلاب المصالح، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، ويقين الإنسان أن كل شيء بيد المولى عز وجل، فالحصول على الأرزاق والنصر على الأعداء والشفاء من الأمراض وغير ذلك من أهم المهمات وأوجب الواجبات كلها وفق إرادة ومشيئة رب العالمين».الرزق ثمرة التوكلوأكد العلماء أن «عظمة التوكل على الله في استسلام قلب المؤمن بين يدي خالقه، ويظهر المعنى جلياً في صلاة الاستخارة التي يصليها المؤمن واضعاً الأمر كله بين يدي ربه مستسلماً له وراضياً باختياره في كافة أمور حياته، ومن علامات التوكل هو شعور المؤمن بالراحة بعد تخطيطه لأمر ما وتسليم أمره لربه، أما ما يتعارض مع فضيلة التوكل هو إحساس المرء بالهم بعد التخطيط والتوكل لأن ذلك فيه عدم ثقة في الخالق ونعوذ بالله من ذلك، وفي ذلك يقول ابن عطاء: «أرح نفسك من الهم بعد التدبير، فما تكفل الله لك به فلا تشغل به نفسك!»».وتابع العلماء «هنا يبدو الأمر غريباً من سلوك الإنسان مع ربه، فالله تكفل له بالرزق وأمره بالعبادة، ولكن الإنسان يشغل نفسه بالرزق ويترك العبادة، رغم أن الأمر محسوم من قبل الله عز وجل فهو القائل: (وفي السماء رزقكم وما توعدون، فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً»، وعهد الله واضح وصريح أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها».واستشهد العلماء بأروع أمثلة التوكل على الله في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام حينما كسر أصنام قومه واتفق القوم على أن يلقوه في النار وجاءه سيدنا جبريل يسأله: (يا إبراهيم ألك مني حاجة؟ فيقول له: أما منك فلا، وأما من الله فنعم، فعلم الله بحالي يغنيني عن سؤالي).والشائع أنه كلما زادت المصائب كلما زاد ابتعاد الإنسان عن ربه إلا المؤمن، فهو يتعلق بالله أكثر كلما اشتد أمره لتسليمه بإرادة الله وإيمانه بالقضاء والقدر، وفي هذا ينصح العلماء بضرورة تدرج فضيلة التوكل لدى المؤمن بالذكر والدعاء، فجهل المرء بمصالح نفسه تجعله لا يدرك حقيقة الأمر ويقين المؤمن بأن وكيله لن يسلمه للشر ويجهز له الخير دائماً، فما منعك الوكيل إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا امتحنك إلا ليصفيك، ولا أخرجك من الدنيا إلا ليجتبيك في الجنة.منزلة التوكل والمتوكلينذكر ابن القيم رحمه الله منزلة التوكل في قوله: (التوكل نصف الدين والنصف الثاني هو الإنابة، فالدين استعانة وعبادة والتوكل هوالاستعانة والإنابة هي العبادة، ومنزلة التوكل كبيرة لأنها أشملها وأجملها فتوكل العبد على ربه هو كمال ثقته به، كما إن آيات التوكل التي ذكرت في القرآن الكريم أتت مقترنة دائماً بأسماء الله وصفاته العظيمة وكأنها رسالة من المولى عزوجل بمنزلة الله وطمانينة وسكينة للعبد المتوكل كما قال تعالى: (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده)، وقوله: (فإن تولوا فقل حسبي الله لا اله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)، وعند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: كان آخر قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار حسبي الله ونعم الوكيل، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال له الناس: (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)، وهذا هو الموضع الوحيد في القرآن الذي ورد فيه الاسم مطلقاً معرفاً بالألف واللام، لكن ورد في مواضع أخرى مقروناً بمعاني العلو، والعلو يزيد الإطلاق كمالاً على كمال كما ورد في قوله تعالى: (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل).التوكل والتواكلقال العلماء «على المرء أن يتأمل قوة الله تعالى وسيطرته على مقاليد الكون في السماء والأرض في قوله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) فهل بعد ذلك من تعلق للغريق بالغريق؟! والفقير بالفقير؟! وكيف يعطي المرء قدراً لغيره ما لا يعطيه لخالقه؟! فعجباً لأمر الإنسان عندما يتعلق بمخلوق مثله، وينسى الخالق ونعوذ بالله من ذلك النموذج من البشر، فالإنسان ملجأه وملاذه هو الله وحده، ولا مانع من أن يأخذ الإنسان بالأسباب والجوارح ولكن يقين القلب بأن الله هو الوكيل.وأوضح العلماء أنه قد تختلف الأسباب للمتوكلين على الله، فالنار صارت برداً وسلاماً على إبراهيم، والبحر كان سبب نجاة موسى عليه السلام، ومن آمن معه، ولكن لا يصح ترك الأخذ بالأسباب بزعم التوكل كما لا ينبغي التعويل على الحول أو الطول أو الركون إلى الأسباب، فخالق الأسباب قادر على تعطيلها، وقدرة الخالق فوق كل شيء، يقول الله تعالى: «ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره». ويقول أحد الصالحين: «يئست من نفع نفسي لنفسي؟ فكيف لا أيأس من نفع غيري لنفسي؟ ورجوت الله لغيري فكيف لا أرجو الله لنفسي؟».
عظمة التوكل على الله في استسلام قلب المؤمن بين يدي خالقه
30 نوفمبر 2012