يأسر فيلم «فلايت» لمخرجه روبرت زيميكيس المشاهد في إطار لوحة مثيرة ومشوّقة، ويحبس أنفاسهم طيلة تتابع الفيلم وتنامي الحدث السينمائي، في مشهد طيّار يواجه كارثة جوية، ويحول شربه للكحول دون سيطرته عليها، قبل أن يحكّم خبرته الطويلة في الهبوط بالطائرة بأقل الخسائر الممكنة. يعيش متابع «فلايت» حالة صراع داخلي، وهو يواجه مشهد كابتن الطائرة مداناً أمام المحكمة الذي أبدع بدوره الممثل دنزل واشنطن، بين الوقوف إلى جانب كابتن «مقدام بطل» هبط بطائرته بعدة وفيات فقط بعد أجواء مناخية لا يتحمل مسؤوليتها، وبين مؤيد لإجراء قانوني صارم ضد طيار أهمل واجباته، وسكر حتى الثمالة خلف مقود الطائرة، دون أدنى حس بتحمل المسؤولية، ويصل الفيلم إلى ذروته عندما يحكم على الكابتن بالسجن، بتهمة الإهمال والتسبب بوفاة عدة أشخاص.مخاطر الطيران، مهارة كابتن الطائرة، ومشاهد إنسانية تجمع بين مواجهة الخطر والمرض والخيبة، رسمت صورة حية للكابتن في مواجهته لأخطار الطبيعة، وفي نفس الوقت روحه المنكسرة من الداخل نتيجة إدمانه الكحول وافتقاده الاستقرار ومشاعر الأبوة تجاه ابنه الوحيد التي تولد من جديد أثناء زيارته له بعد حكم المحكمة عليه بالسجن في نهاية الفلم.يقدم سقوط الطائرة إثارة الحدث الممزوج بقيم إنسانية وسلطة القوة والنفوذ الاقتصادي تحت مظلة القوانين، خيوط تغزل قصة إثارة حقيقية عالية الجودة، متينة الحبكة.في «فلايت» يقدم زيميكيس أجواء الطيران كأول عمل من فئة أفلامه الحركية الحية منذ Cast Away عام 2000، وكانت رهاناً غير مألوفاً بالنسبة لشركة باراماونت بيكتشرز التي موّلت ميزانية الفيلم البالغة 31 مليون دولار. ابتكر كاتب السيناريو جون غاتينز الخطوط العريضة لقصة «فلايت» عام 1999، لكنه شعر بالقلق خلال السنوات اللاحقة من ألا يبصر الفيلم النور، قبل أن يخرج الفيلم ويحقق إيرادات عالية ويتصدر قائمة الأفلام العالمية الحديثة، إذ حقق ما يزيد عن 47 مليون و770 ألف دولار.يعرض الفيلم قصة ويب ويتيكر «دنزل واشنطن»، طيار مدمن على الكحول والمخدرات والمسؤول عن قيادة الطائرة خلال كارثة جوية، تقدم إشكالية الفلم ما إذا كانت ثمالة الكابتن السبب في حادثة التحطم، أم أن مهارته في قيادة الطائرة ساهمت في تغيير مسارها وتخفيف حدة الاصطدام وإنقاذ حياة كثيرين.«فلايت» فيلم معاصر وجديد بالنسبة إلى شركة باراماونت التي خفّضت بشكل جذري نسبة أفلامها المنتجة في السنوات الأخيرة، ففضلت إنتاج مجموعة من الأفلام التابعة لسلسلة شهيرة مثل Star Trek و G.I. Joe وMission: ImpossibleوTransformers.رئيس الإنتاج في شركة «باراماونت» قودمان قال إن التحدي الأكبر يتعلق بكيفية جعل العمل يستحق التمويل، ففكرت الشركة بجلب شريك مالي وأرادت رصد حجم إيرادات الفيلم في الأسواق الخارجية قبل التأكيد على التزامها النهائي، وهي خطوة غير مألوفة لتهدئة أعصاب المدراء التنفيذيين. ووفق حسابات زيميكيس، كان الفيلم الذي كلّف 31 مليون دولار أقل الأعمال كلفةً مقارنة بأفلامه المشاركة منذ عام Used Cars عام 1980.واعتبر زيميكيس أن الإنتاجات التي تشمل التقنيات المحوسبة منحته الأدوات اللازمة لتصوير «فلايت» بسرعة وبكلفة متدنية، سيما عند تصوير مشهد تحطم الطائرة حيث استعان بخبراء رقميين لتنسيق التأثيرات البصرية، أما المخرج زيميكيس فبين في تصريح له «أشعر بالإحباط إذا لم أتمكن من تصوير لقطات معينة لأنني كنت مستعداً لتقبل الواقع»، في إشارة إلى صعوبة التقاط الصور الحية لهذا النوع من المشاهد المعقدة.يشمل طاقم الممثلين دون شيدل وبروس غرينوود وميليسا ليو، ليقدموا قصة مختلفة تمتزج فيها مسؤولية المهنة والأخطـاء الشخصية بشكل يمثل قمة متعة المشاهدة.حصل الفيلم على مراجعات جيدة في معظمها، ونشر عنه تود مكارثي الناقد في مجلة هوليوود ريبورتر «أنه واحد من أعقد أدوار دنزل واشنطن وأصعبها، ونجح في أدائه ببراعة».
«فلايت».. خيبة تحبس الأنفاس
10 ديسمبر 2012