قال حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى إن ممارسة حق حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وتأسيس الجمعيات الوطنية، يترتب عليه واجب المسؤولية الوطنية والأخلاقية في استخدامه، والتقنين بما «يحفظ السلم الأهلي ويبعد أمتنا عن التشتت وفتنة التناحر والتشاحن»، مؤكداً أن «لا خير فيمن يستخدم هذا الحق سلاحاً في الدفاع عن الباطل ضد وطنه ويغرس سيفه في خاصرته».وأضاف عاهل البلاد المفدى، في كلمة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان أمس، أن «الإنسان أغلى ما نملك في هذه المملكة، ولا يمكن التفريط بحقوقه أو بحياة أي منهم، ونحزن لأيّ قطرة دم تسيل، فما أحوج الفئات المختلفة إلى كلمة سواء تجمع على الوحدة والتقارب والتعايش، وتنبذ العنف والإرهاب».ودعا جلالة الملك «نخبة المجتمع للعب دور أكبر في توعية المجتمع وإزاحة غيوم الشك والريبة المختلقة من الذين أرادوا طمس هوية الوطن الخليجية والعربية وتدنيس أرضها الطاهرة»، مشيراً إلى أنه «نريد عملاً منتجاً وبناء صلباً وشخصيات مستنيرة ومواقف وطنية، لحفظ وطننا وشعبنا من الانزلاق في متاهات من يشعل الفتنة في أوساط الناشئة والشباب ويعكر صفو الوحدة الوطنية ويكدر السلم الأهلي».وأكد جلالته أن «شعب البحرين ناضل في سبيل عروبته والحفاظ على قيادته الشرعية وتثبيت سيادته ودحض الأطماع الأجنبية ضد مقدرات الوطن».وأردف جلالته أن «وفداً من المفوضية السامية لحقوق الإنسان زار البحرين مطلع الشهر الجاري واطلع على حقيقة ما جرى، ما يؤكد شفافية الدولة في فتح الأبواب أمام جميع الهيئات الحقوقية المرموقة»، مشيراً إلى أن «البحرين طوت هذا العام صفحة هامة في سجلها بحقوق الإنسان عبر ما أنجزته في سبيل تنفيذ ما أوصت به اللجنة الملكية المستقلة لتقصي الحقائق، ما يعزز المكانة الحقوقية للبحرين في منصات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية».وأشار جلالة الملك إلى أن «تعديل إنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان جاء مستجيباً لمقررات حوار التوافق الوطني ومرئيات المجتمع الأهلي وقطاعات واسعة من الحقوقيين والمعنيين وذوي الشأن، ما أتاح لهذه المؤسسة مزيد من الضمانات والاختصاصات والاستقلالية»، معرباً عن تطلعه أن تضطلع هذه المؤسسة بدور مهم في المرحلة المقبلة، وتتحول إلى منارة من منارات الوعي الحقوقي».وأكد العاهل المفدى أن «العدل والإنصاف ركنان أساسيان في الحكم الدستوري»، داعياً «مؤسسات المجتمع المدني والنخب إلى لعب دور بارز في هذه الفترة في سبيل إشاعة ثقافة حقوق الإنسان».وحث جلالته في كلمته السامية، التي تزامنت مع الذكرى السنوية لصدور أول إعلان دولي لحقوق الإنسان تشهده البشرية، المواطنين أن «يصطفوا في جبهة واحدة مع الوطن، وليكن صوتهم مسموعاً في الداخل والخارج، إذ إن وطنهم بلد الحقوق والحريات والعدالة والديمقراطية».وأشار جلالة الملك إلى أن «جميع السكان نالوا حقوقهم الدستورية المشروعة، فللنساء حقوق سياسية متساوية مع الرجال، وللشباب منظماتهم الأهلية ونشاطهم وتمثيلهم بمختلف هيئات الدولة، وللأقليات حضور بارز في مجلس الشورى والبعثات الدبلوماسية ومنظمات المجتمع المدني والميدان التجاري، وللأشخاص ذوي الإعاقة صوتهم في المؤسسة التشريعية والمجلس البلدي والمؤسسات الأهلية المتخصصة، حتى بالنسبة للمقيمين لسنوات معينة فإن لهم الحق الدستوري في المشاركة بانتخاب من يمثلهم لعضوية المجلس البلدي».وخلص العاهل المفدى إلى أن « البحرين ستبقى وطناً تزدهر فيه ثقافة المحبة والتآخي والتعايش بين مختلف الأعراق والمذاهب والأديان وواحة للحقوق الإنسانية(..) وسيظل انتهاج الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان جناحين تطير بهما البحرين».وفيما يلي نص الكلمة السامية: إنه لمن بالغ السرور أن نتحدث لكم اليوم في مناسبة عالمية جليلة هي ذكرى صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي جاء بعد مخاضات عسيرة في سبيل تحقيق الحرية والعدالة والرقي والتقدم، وليكون هذا اليوم مصباً جامعاً لخلاصة تجارب الأمم في إرساء القيم الإنسانية النبيلة وعلى رأسها صون كرامته. إننا نقف بكل إكبار وإجلال في هذا اليوم الأممي الخالد أمام التضحيات الجسام التي بذلها الأجداد الأولون في مسيرة بناء الدولة منذ عهد الجد المؤسس أحمد الفاتح، الذي أرسى دعائم الدولة والبنيان الإداري، حيث كانت مسؤولية ولي الأمر في تلك الحقبة من الزمن تنحصر في العدل والأمن والدفاع وكان الناس أحراراً في ممتلكاتهم وأعمالهم وتجارتهم وتنقلهم واليوم نواصل حمل تركته بأمانة وصدق وعزيمة، وبتعاون مع شعبنا الوفي، الذي سطر الأمجاد في سبيل نيل حقوقه الوطنية، وناضل في سبيل عروبته والحفاظ على قيادته الشرعية وتثبيت سيادته ودحض الأطماع الأجنبية ضد مقدرات الوطن.في هذا اليوم العظيم بتاريخ البشرية نجد أن البحرين، مملكة الإنسانية والطمأنينة، تشارك العالم المتقدم في هذا اليوم الجميل، ووقفة عز وفخر بما ناله ويستحقه شعب البحرين الوفي من مكتسبات حقوقية وإنجازات حضارية، فهذا اليوم هو يوم للأوطان السعيدة التي أشعلت النور في عتمة ظلام الجهل، حيث خرج البحرينيون أفواجاً إلى المدارس، وانتظموا في مقاعد الدراسة، ونهلوا المعرفة وساهموا في مسيرة النهضة الشاملة جنباً إلى جنب مع أقرانهم نساء البحرين، اللائي احتفلن قبل أيام بيومهن الوطني، وهو يوم لكل امرأة بحرينية، فالمرأة في البحرين هي الجزيرة الأم في أرخبيل خريطة جزر مملكتنا الجميلة الطيبة بشعبها والرائعة في حضارتها. يأتي احتفال اليوم العالمي لحقوق الإنسان هذا العام تحت شعار «اجعل لصوتك قيمة»، وقد أصغينا لصوت الشعب في ملحمته التاريخية بإطلاق ميثاق العمل الوطني، والذي حاز على ما يشبه الإجماع الشعبي الكبير في استفتاء تاريخي، كما أصغينا لصوته الوطني فيما قرره بحوار التوافق الوطني، الذي مثل مظلة جامعة لمختلف مكونات وأطياف المجتمع، وأن جميع ما توافق عليه الشعب في الحوار أبصر النور، وبذلك فقد تآزرنا جميعاً في خيار التقدم والإصلاح وتعزيز الديمقراطية والحقوق وتحقيق المطالب المشروعة.ويحق لكل بحريني وبحرينية أن يفخر بسماع صوته وصداه يتردد في الأرجاء، حيث نال جميع السكان حقوقهم الدستورية المشروعة في ظل ما أتاحه مشروعنا الإصلاحي الشامل، فللنساء حقوق سياسية متساوية مع الرجال، وللشباب منظماتهم الأهلية ونشاطهم وتمثيلهم بمختلف هيئات الدولة، وللأقليات حضور بارز في مجلس الشورى والبعثات الدبلوماسية ومنظمات المجتمع المدني والميدان التجاري، وللأشخاص ذوي الإعاقة صوتهم في المؤسسة التشريعية والمجلس البلدي والمؤسسات الأهلية المتخصصة، حتى بالنسبة للمقيمين لسنوات معينة فإن لهم الحق الدستوري في المشاركة بانتخاب من يمثلهم لعضوية المجلس البلدي باعتباره مؤسسة دستورية مرفقية وخدماتية تمس احتياجاتهم المحلية.يشارك الجميع من أجل إعلاء ثقافة حقوق الإنسان وإشاعة هذه الثقافة في أوساط المجتمع والعمال والموظفين والإعلام والمجتمع المدني لتكون حاضرة دوماً وثابتة في الذهن وراسخة في العقيدة الوطنية. وفي مملكة الديمقراطية والشورى فإن حرية الرأي والتعبير أو حرية التجمع السلمي أو حرية تأسيس الجمعيات الوطنية أو غيرها من الحقوق الدستورية المشروعة والمقررة ليست مكرمة وإنما حق مشاع لجميع أفراد الشعب، هو حق يترتب عليه واجب المسؤولية الوطنية والأخلاقية في استخدامه، والتقنين بما يحفظ أمتنا من التشتت وفتنة التناحر والتشاحن فيما يضر على حساب ما يجمع ويفيد الوطن والمواطنين وبما يحفظ السلم الأهلي، ولا خير فيمن يغرس سيفه في خاصرة وطنه. ويستخدم هذا الحق سلاحاً في الدفاع عن الباطل ضد وطنه. إن البحرين مهد حضارة طويلة في التاريخ، هلل سكانها ترحيباً بالضيوف الأعزاء والمحترمين من كل صوب، وأتاح هذا البلد الآمن والمستقر السكينة والطمأنينة والخير للجميع، والبحرين اليوم مازالت كما كانت على عهد الأجداد والآباء الأولين، بشوشة في وجه الآخرين وتخطو للأمام في طريق الإنجاز والريادة مستعينة بالله سبحانه وتعالى وبإرادة شعب إرادته صلبة وعزيمته شامخة، ولهذا فتحت المملكة الأبواب أمام الضيوف من الخبراء والجهات المتخصصة لتفيد الوطن وتزيد من منافع المواطنين وتسهم في الارتقاء بمسيرته التنموية. وتعزيزاً لذلك، فقد استقبلت المملكة وفداً زائراً من المفوضية السامية لحقوق الإنسان في مطلع الشهر الجاري، وقد اطلع على حقيقة ما جرى، وبما يؤكد على شفافية الدولة في فتح الأبواب أمام جميع الهيئات الحقوقية المرموقة، والتي تنشد الخير والطمأنينة والرقي للبلدان، فالإنسان أغلى ما نملك في هذه المملكة، ولا يمكن التفريط بحقوقه أو بحياة أي منهم، ونحزن لأيّ قطرة دم تسيل، فما أحوج الفئات المختلفة إلى كلمة سواء تجمع على الوحدة والتقارب والتعايش، وتنبذ العنف والإرهاب. وواهم من يعتقد أن البحرين عصية على لم الشمل الاجتماعي وصون وحدتها الوطنية والترابية، ولا مكان للوهم أو التردد في نفوس البحرينيين الصلبة والقوية والباسلة. إننا نطوي في هذا العام صفحة هامة في سجل مملكة البحرين بحقوق الإنسان عبر ما أنجزته أجهزة الدولة كافة في سبيل تنفيذ ما أوصت به اللجنة الملكية المستقلة لتقصي الحقائق. إن هذه المجهودات تصب في تعزيز المكانة الحقوقية المرموقة لمملكة البحرين في مختلف منصات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية المرموقة، وبما يسهم في إدماج مزيد من مكونات الشعب في الحياة العامة ووفق ما ينص عليه الدستور والتشريعات الناظمة لذلك والتي يقرها مجلسان ممثلان لإرادة الشعب وخياراته وقراراته، وأن شعب البحرين موعود باستمرار أجمل أيامه الباهرة في ظل ما سيتحقق من مشاريع وطنية توالي الدولة إعلانها بين فترة وأخرى وتتطلب تضافر الجميع في سبيل نجاحها. لقد جاء الأمر الذي أصدرناه بتعديل إنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان مستجيباً لمقررات حوار التوافق الوطني ومرئيات المجتمع الأهلي وقطاعات واسعة من الحقوقيين والمعنيين وذوي الشأن، وبما أتاح لهذه المؤسسة مزيد من الضمانات والاختصاصات والاستقلالية وفق ما جاءت به مبادئ باريس المعروفة، ونتطلع أن تضطلع هذه المؤسسة بدور مهم في المرحلة المقبلة، وبحيث تتحول المؤسسة إلى منارة من منارات الوعي الحقوقي والاستنارة بالقانون وبيت للخبرة والمشورة بما تستلهمه من عراقة التجربة البحرينية في الميدان الحقوقي. إن العدل والإنصاف ركنان أساسيان في الحكم الدستوري منذ أن تولينا أمانة هذا البلد العزيز. وهما مبتغانا لخدمة شعبنا وأمتنا، وفي ضوء ما أحرزته المملكة من تقدم في الممارسة الحقوقية والقانونية والقضائية، خاصة وأن البحرين كانت من أوائل الدول الداعمة للميثاق العربي لحقوق الإنسان قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، فقد أبهجتنا الإشادات والتحركات الفاعلة على المستوى العربي والدولي لتنفيذ اقتراحنا بإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان، لتكون ساحة قضاء وتقاض، فالعدل أساس الحكم، ولا يمكن للعربي أن ينتصف إلا في داره وفي وسط أمته.وبات من اللازم في هذه الفترة أن تلعب مؤسسات المجتمع المدني دوراً بارزاً في سبيل إشاعة ثقافة حقوق الإنسان، بحيث يساهم المجتمع المدني الذي شارك في مسيرة التنمية والبناء الوطني منذ عقود طويلة في هذا الواجب الوطني الثقيل، ليحمل مع الدولة مسؤولية زيادة وعي المواطنين بحقوقهم وواجباتهم في دولة المؤسسات والقانون، ولذلك يتعين على الجهات المختصة بالدولة أن توفر التسهيلات اللازمة والتمويل المناسب لهذه المشاريع الوطنية النبيلة من مؤسسات المجتمع المدني. وليكن لنخبة المجتمع من كتاب وإعلاميين ورجال الفكر والثقافة ومهنيين دور أكبر في توعية المجتمع وإزاحة غيوم الشك والريبة المختلقة من الذين أرادوا طمس هوية الوطن الخليجية والعربية وتدنيس أرضها الطاهرة، نريد عملاً منتجاً وبناء صلباً وشخصيات مستنيرة ومواقف وطنية، لحفظ وطننا وشعبنا من الانزلاق في متاهات من يشعل الفتنة في أوساط الناشئة والشباب ويعكر صفو الوحدة الوطنية ويكدر السلم الأهلي، ولتستمر وتيرة العمل الوطني على نحو متصاعد وأكثر جودة من أجل بلوغ المواطن البحريني احتياجاته في مجال التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية المستدامة والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.إننا نحث المواطنين، رجالاً ونساء، أن يصطفوا في جبهة واحدة مع الوطن، وليكن صوتهم مسموعاً في الداخل والخارج، أن وطنهم بلد الحقوق والحريات والعدالة والديمقراطية.وسيظل انتهاج الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان جناحين تطير بهما البحرين إلى آفاق المستقبل، وهما ركيزتان رئيسيتان في المشروع الإصلاحي الشامل، وبهما جرى تعزيز الحقوق الدستورية، وفق ثوابت وطنية وإسلامية وبما يتوافق مع إرادة الشعب.وستبقى البحرين وطناً تزدهر فيه ثقافة المحبة والتآخي والتعايش بين مختلف الأعراق والمذاهب والأديان وواحة للحقوق الإنسانية.