قال علماء وشيوخ دين إن «إيمان العبد يكتمل في تأمله لخلق الله للكون، لأن الإنسان يوقف على حقيقة بديعة هي متانة الخَلْق والتدبير في كل مفردات الكون وأجزائه، والنظرة السليمة التي ينبغي أن نسلكها نحن المسلمين، ليست التي تقف بنا عند ظواهر الأشياء، بل التي تحملنا من الظاهر المشهود إلى الباطن المحجوب، ومن معرفة المخلوق إلى معرفة الخالق عز وجل الذي خلق فسوى وقدر فهدى، ومن ثم لا يألف المؤمن نعم خالقه».قيمة التأملوأضاف العلماء أن «فضيلة التأمل في خلق الله للكون في أنها تمارس بالقلب والعين وليس للبدن فيها من نصيب، انتهجها الأنبياء لأنها من أعظم العبادات، وكانت الأقرب إلى قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، فبها ينأى المرء بنفسه عن ظلمة المعصية، ويعرف مراد الله في كونه، فيتصل القلب بخالقه حينما يتدبر، ويعتبر لعظمة الخلاق في إبداعه، ومعرفة الله نوعان: الأولى أقرار بوجوده ويشترك فيها البشر غالبيتهم إلا السفهاء منهم، والثانية هي معرفة حب وحياء وخشية وإقبال على الله، والبشر متفاوتون في هذه المعرفة بقدر تفكر وتدبر كل منهم لبديع صنع خالقهم، وعلى قدر هيبة النفس والعقل من الخالق تكون المعرفة ولا تتحقق بشكل كامل إلا بعبادة التأمل في خلق الله». خلق الكونوتابع العلماء «إذا نظر المرء إلى إبداع الخالق فإنه يقف منبهراً بما خلق، فهو الذي خلق الغلاف الجوي المحيط بالأرض ليحميها من اختراق النيازك والشهب، وهو من سخر الشمس والقمر، وكيف أن الشمس لا تحرق الأرض بمن عليها، وهو الذي سوى الماء العذب يقول تعالى: (قل أرايتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين)، وهو الذي سخر السموات وكيف جعلها سقفاً محفوظاً لعباده، يقول تعالى: (الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فتور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير) فالآية الكريمة تكشف عن عظمة خلق الله للسموات السبع تكاملاً وتناسقاً، والجميل في التعبير أنه حدثنا عن السموات السبع، ولكنه عندما نفى وجود التناقض نفاه عن كل خلق الله عز وجل، فقد يسلم الإنسان بأن خلقاً من خلقه تعالى كالسموات محكم ومتقن، ولكنه يشك في وجود هذه الحقيقة عندما يفكر في خلق آخر. وتأمل كيف مهد الأرض؟ وتدبر التوازن العجيب فكل شيء بمقدار في كون الله.وأوضح العلماء ن «آيات القرآن تأتي في مقام الاستدلال على طلاقة القدرة الإلهية التي أبدعت هذا الكون بجميع ما فيه ومن فيه، وفي مقام الاستدلال كذلك على أن الإله الخالق الذي أبدع هذا الكون قادر على إفنائه، وقادر على إعادة خلقه من جديد، وفي إثبات الألوهية لرب العالمين بغير شريك ولا شبيه ولا منازع، على الرغم من أن دعوى الكافرين منذ الأزل، وإلى يوم الدين، هي محاولة إنكار قضيتي الخلق والبعث بعد الإفناء، والله أبقى لنا من الشواهد الحسية الملموسة ما يمكن أن يعين المتفكرين المتدبرين من بني الإنسان على إدراك حقيقة الخلق، وحتمية الإفناء والبعث، ويبقى فهم تفاصيل ذلك في غيبة من الهداية الربانية درباً من دروب الخيال، فيقول جل شأنه: (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً).لماذا الحياة على الأرض؟!وذكر العلماء أنه «لا شك في أن الآيات في خلق الله لا تحصى، ولكن سنقف عند آية منها تظهر معجزة الخالق ورحمته بعباده، فقد يسأل سائل: تتكون المجموعة الشمسية من 9 كواكب، فلماذا اختار الله الأرض تحديداً لحياة الإنسان عليها؟ لنتأمل معاً كل كوكب على حدة، فكوكب عطارد هو أصغر كواكب المجموعة الشمسية، والأقرب إلى الشمس وجاذبيته تعادل 0.387 من جاذبية الأرض فهو أقل منها، وبالتالي فإن الشخص فوقه يحترق، أما كوكب الزهرة فهو كوكب ترابي من حيث الحجم والتركيب العام وهو أسخن كواكب المجموعة وبه زلازل بركانية نشطة، وكوكب المريخ يطلق عليه الكوكب الأحمر لأنه مملوء بالغبار ولا توجد مياه على سطحه وبه أكبر بركان في المجموعة الشمسية يطلق عليه أوليمبس مونز، مما يقف حائلاً أمام الحياة عليه، وبالنسبة لكوكب المشترى فهو أكبر الكواكب، وحجمه 1300 مرة حجم الأرض، وجاذبيته أضعاف جاذبيتها، ويحدث داخله غليان شديد ويخرج من سطحه الكبريت المصهور الصاعق لأي كائن على سطحه، وكوكب زحل خفيف جداً ولو وضع كوكب زحل في محيط من الماء فإنه سيطفو، أما كوكب أورانوس فهو كوكب عملاق يتكون من الغاز ودرجة حرارته 184 درجة مئوية، مما لا يسهل الحياة عليه، وفيما يتعلق بكوكبي نبتون وبلوتو فهما شديدا البعد عن الشمس والحياة تكسوها الجليد عليهما، وبالتالي يتجمد المخلوق الكائن على سطحهما، فلا يصلحا للحياة، وبالتالي الكوكب الوحيد المناسب للحياة عليه هو الأرض، فانظر إلى بديع صنع خالقك، متدبراً آياته في كونه.ولم يخل الإيمان بالغيب من دون التأمل في الغيبيات، فالإنسان لزاماً عليه التفكر والاعتبار دائماً، فإن شر البلية أن يألف الإنسان نعم خالقه، بدون الرجوع إلى العقل واستشعار قدرة المولى عزوجل، والإسلام حض على ذلك، واعتبره نمطاً من أنماط عبادة الله، وهو وسيلة منهجية لاستقراء سنن الله في كونه، والوجه الثاني للعبادة التي يمثل وجهها الأول طاعة الخالق بما أمر، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وبهذا الجمع المتزن بين وحي السماء والاجتهاد في الوصول إلى الحقيقة من خلال العلم، تكون القاعدة الصلبة للدين والعلم، وإيماننا بأن «الحكمة هي ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أولى الناس بها»، ومعيار الإسلام العظيم القائم على أساس من التوحيد الخالص لله، لتطهير البشرية من أدران الشرك والكفر والجحود بالخلاق العظيم.
اكتمـــــال الإيمـــان بالتأمـــل فـــي خلـــق الكــــون
14 ديسمبر 2012