أدت الاشتباكات الأخيرة بين الجيش السوري الحر وميليشيات حزب الله على الحدود السورية - اللبنانية إلى تنامي المخاوف من احتمالات التصعيد الإقليمي للحرب السورية، والتي سيكون لبنان فيها على خط النار مرة أخرى. لاح شبح الحرب في الأفق حينما أمهل رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر اللواء سليم إدريس "حزب الله" 48 ساعة لإيقاف عملياته العسكرية، وإلا ستتم مهاجمة منشآته داخل لبنان. قبل هذا الإعلان وقعت اشتباكات حدودية متفرقة بين أعضاء حزب الله والجيش السوري الحر، وأسفرت عن قتلى في صفوف الطرفين. ومنذ بدأت الأزمة قبل حوالي عامين تحاول الحكومة اللبنانية المحافظة على حيادها بشأن سوريا. وقال رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، إن لبنان "يتمسك بسياسة النأي بالنفس على المستويين السياسي والأمني من أجل الحفاظ على الاستقرار وتجنب العواقب والمخاطر التي قد تحدث في حال التخلي عن ذلك". لكن موقف حزب الله، المؤيد لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، يعوق هذه السياسة، ويتسبب في الكثير من الحرج لبيروت. و اتهم عضو كتلة "المستقبل"، النائب عمار حوري، حزب الله بتوريط لبنان في الأزمة السورية. وقال حوري إن حزب الله بدأ بالانحياز للنظام على حساب الشعب السوري. وأضاف أنه يستخدم حججاً لا أساس لها للتدخل في سوريا. وتابع: "قرر اللبنانيون من خلال اتفاق بعبدا على أن يظلوا محايدين حيال جميع الأزمات الإقليمية إلا فيما يتعلق بالعدو الإسرائيلي. أما حزب الله فيورط لبنان ويورط نفسه بالدرجة الأولى". وأضاف حوري أن حزب الله يبرر تدخله في سوريا بوجود مواطنين لبنانيين يقيمون في قرى داخل سوريا ويحتاجون للحماية، "وكأن وجود مواطنين لبنانيين في أي من قارات العالم يبرر تدخل ميليشيات حزب الله"، على حد قوله. وأكد النائب اللبناني أنه "يجب على الحكومة اللبنانية أن تكون حكومة لبنانية، وليس أداة في يد النظام السوري". استراتيجية إيرانية أما المحلل السياسي اللبناني، علي الأمين، فيرى أن التصعيد الأخير الذي قام به حزب الله هو جزء من استراتيجية إيرانية في سوريا. وقال: "تدخل حزب الله في الشأن السوري يندرج في سياق الاستراتيجية الإيرانية، وليس ضمن الاعتبارات لحزب الله اللبناني، بمعنى أنه ليس هناك شك أن التدخل في الشأن السوري يسهم في إرباك وإحراج حزب الله اللبناني، وبالتالي معايير المصلحة في هذا الشأن إيرانية بالدرجة الأولى، تفرض على حزب الله أن ينفذ متطلبات هذه الاستراتيجية". وأضاف الأمين أن تورط حزب الله في سوريا هو بمثابة فصل جديد من الاستراتيجية الإيرانية في سوريا، خاصة في أعقاب مقتل الجنرال الإيراني حسن شاطري على الطريق الذي يربط دمشق ببيروت. وأوضح الأمين أن إيران قد تشعر بالقلق جراء المحادثات الأمريكية - الروسية الدائرة بشأن سوريا، وتتوجس من أن يتم تهميشها لو تم الوصول لاتفاق بين القوى العظمى، لهذا تريد إيران إيصال رسالة من خلال حزب الله تؤكد فيها أنه لا يمكن تجاهل دورها في أي تسوية يتم الوصول إليها. هذا على الصعيد السياسي. أما على الصعيد اللوجستي، فإن ادعاءات حزب الله بشأن حماية اللبنانيين المقيمين في القرى السورية قد تكون جزءاً من استراتيجية لإنشاء "كانتون" يلجأ إليه الأسد والدائرة العلوية المحيطة به في حال سيطر الثوار على دمشق. على الجانب الآخر، قلل الصحافي والمحلل السياسي اللبناني، قاسم قصير، من خطورة تدخل حزب الله في سوريا، وقال "إنه لا يتعدى مجرد مناوشات حدودية مع قوات المعارضة السورية". ويرى قصير أن هذه الاشتباكات "طبيعية" في ظل اختلاط اللبنانيين بالسوريين في القرى الحدودية. كما نفى أن تكون العمليات التي قام بها حزب الله في سوريا مؤخراً تمت بإيعاز من إيران أو كانت جزءاً من استراتيجية إقليمية. وألقى قصير باللوم على الجماعات "الإسلامية المتطرفة" داخل سوريا، والتي "تزج بالجيش السوري الحر" في حرب إقليمية واسعة، على حد قوله. أما الصحافي والكاتب السوري، حكم البابا، فيرى أن الجيش السوري الحر إن أراد استهداف حزب الله سيفعل ذلك داخل الأراضي السورية وليس داخل لبنان، على الأقل في الوقت الراهن. ويقول: "أعتقد أن السوريين مشغولون بمحاربة النظام ومن يقاتل إلى جانبه على الأراضي السورية، وليس لديهم القدرة ولا الرغبة في تعقب أعدائهم خارج سوريا". لذا يرى البابا أن تحقق تهديد الجيش السوري الحر، إن حدث، سيكون داخل الأراضي السورية، "على الأقل في المرحلة الراهنة"، على حد قوله، مشيراً إلى أن الجيش الحر قد يطارد من ارتكبوا جرائم في حق الشعب السوري في مرحلة لاحقة بعد أن يتم إسقاط نظام الأسد. وأضاف أن التصعيد الذي قام به حزب الله مؤخراً في سوريا يشير إلى أن النظام السوري يتهاوى. ويوضح "لقد خسر النظام كثيراً، وهو يحتاج إلى مقاتلين، حتى إنه اضطر لتجنيد النساء، لذا هو في حاجة لمساعدة حزب الله". ويتابع البابا أن حزب الله يقاتل في معركة وجودية، حيث إن سقوط النظام السوري سيؤدي إلى احتواء الحزب داخل وخارج حدود لبنان.