تنشغل إيران بصراع داخلي محتدم على السلطة على نحو يجعل احتمال توصلها إلى اتفاق مع القوى العالمية الأسبوع المقبل على سبل إنهاء خلافهما النووي أمراً غير مرجح، فالخروج من هذا الصراع الذي يسبق الانتخابات سيكون الأولوية الأولى لنخبتها المنقسمة. وعلى الرغم من تلميحات صناع السياسة الإيرانيين إلى الحاجة لاتباع نهج مبتكر في التواصل مع القوى الغربية فإن توقيت الانتخابات ربما يملي ركوداً لعدة أشهر أخرى في المحادثات النووية المقرر أن تستأنف في الماتا بكازاخستان الثلاثاء المقبل. فمع إجراء الانتخابات الرئاسية في يونيو المقبل قد لا تكون جولة المفاوضات المقبلة أكثر من مجرد «محادثات» ليظل باب الدبلوماسية مفتوحاً. ومن المنتظر أن تعرض القوى العالمية على طهران خلال المفاوضات تخفيف بعض العقوبات إن هي كبحت الأنشطة التي يمكن استخدامها في إنتاج سلاح نووي. وقال دبلوماسي غربي مقيم في طهران «إيران في حالة إنصات، سيعودون إلى طهران ويبحثون العرض، لكن من غير المرجح أن يبحثوا القضايا بعمق إلى أن تتبدد حالة انعدام الأمن الناجمة عن الصراع الداخلي على السلطة». وربما تجد الحكومات الغربية ما يدعو للتفاؤل حين تنظر للأمر عن كثب. فقد أظهرت القيادة الدينية بإيران مؤخراً بوادر اهتمام بالانخراط مع الغرب بصورة أوثق مما مهد لوجود طهران في عاصمة كازاخستان السابقة. ونشرت وزارة الاستخبارات الإيرانية تقريراً على موقعها على الإنترنت في نوفمبر الماضي يروج لمزايا التواصل الدبلوماسي لدرء خطر قيام أعداء بعمل عسكري. وأضاف تقرير الوزارة التي يسيطر عليها حيدر مصلحي وهو حليف وثيق للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي قال فيه «من الواضح أن اندلاع حرب واللجوء للقوة أمر خطير ومفزع لدرجة أن أي استهتار به يمثل ذنباً لا يغتفر». وراقت فكرة المحادثات المباشرة بين إيران والولايات المتحدة والتي ظهرت بعد تصريحات أدلى بها نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن هذا الشهر لصناع القرار الإيرانيين ولم يستبعد هذا الاحتمال سوى قلة قليلة. ويؤيد الرئيس محمود أحمدي نجاد منذ فترة طويلة الانخراط مع الولايات المتحدة وانضمت له شخصيات سياسية أخرى لها ثقل مثل رئيس البرلمان علي لاريجاني، وقائد ميليشيا الباسيج الجنرال محمد رضا نقدي. وخلال أيام قضى خامنئي على مثل هذه الرسائل حين قال إن إيران لن تتفاوض «تحت تهديد السلاح». لكن محللين يقولون إن طهران تركت لنفسها مساحة للتراجع. وقال سكوت لوكاس مؤسس موقع «إي إيه وورلدفيو» وهو موقع إخباري يتابع وسائل الإعلام الإيرانية «ترك الزعيم الأعلى الباب مفتوحاً. حين نحلل تصريحاته نجد أنها تظهر أن إيران تريد إجراء محادثات بشأن العقوبات وأنه ما لم تتخذ خطوة جادة بهذا الشأن فإنه لن يستطيع خامنئي الوثوق في الولايات المتحدة». وقال كريم ساد جاد بور من معهد كارنيجي للسلام الدولي ومقره واشنطن «شكل أوباما أكثر حكومة أمن قومي تأييداً للتواصل مع إيران في تاريخ الولايات المتحدة الحديث واعتبارات السياسة الداخلية لا تمثل عقبة بنفس القدر في ولايته الثانية». ونتيجة فرض عقوبات على إيران لرفضها التفاوض على حدود برنامجها النووي والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة المواقع النووية الإيرانية فقد باتت تعاني من ضغوط اقتصادية مستمرة، ومن ثم فإنها تركز على إدارة شؤونها المالية وسياستها الداخلية المضطربة. ويدين أحمدي نجاد بحياته السياسية لخامنئي بعد أن اجتاز احتجاجات حاشدة إثر فوزه بولاية ثانية في انتخابات 2009 التي ثارت خلافات حول نتائجها لكن مسعاه الجديد للاستحواذ على النفوذ والشعبية أثار خلافات بينهما منذ ذلك الحين. فالموالون لخامنئي يخشون أن يكون أحمدي نجاد بوصفه أول رئيس لإيران من غير رجال الدين منذ عام 1981، يناور لتقويض مكانة آيات الله وإضعاف نفوذ الزعيم الأعلى. وأضاف لوكاس «قضية سلطة خامنئي في الداخل تتقدم على المحادثات النووية، فالزعيم الأعلى عليه أن يخوض معركة ليضع أحمدي نجاد في مكانه. والسؤال هو: هل هو مسيطر على الموقف». وأحدث عرض ستطرحه القوى العالمية الست لإيران سيشمل مطالب سابقة بتعليق تخصيب اليورانيوم لدرجة نقاء 20% وإغلاق محطة فوردو للتخصيب الموجودة تحت الأرض والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة المزيد من المواقع النووية وخفض مخزون البلاد من اليورانيوم المخصب. في المقابل سيتم رفع العقوبات الدولية الأخيرة على تجارة الذهب والمعادن مع إيران. وكانت إيران قد انتقدت العرض ووصفت بأنه غير كاف مطالبة بالاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم واحترامه. من ناحية أخرى، وصفت وزارة الخارجية الأمريكية تركيب إيران أجهزة طرد مركزي جديدة في موقعها في نطنز بداية فبراير الجاري، كما أكدت الوكالة الذرية في تقرير لها، بأنه عمل «استفزازي». واعتبرت فرنسا خطوة إيران «مقلقة جداً» وأنها تشكل «خطوة إضافية في الاتجاه الخاطئ». وفي سياق آخر، قال محام لأحد العاملين في السفارة الإيرانية في اسلو إن موكله طلب اللجوء إلى النرويج. والرجل الذي لايزال اسمه مجهولاً مختبئ مع أسرته في الوقت الذي تتعامل فيه السلطات النرويجية مع طلبه. وقال محاميه يورجن لوفدال «إنه إيراني يعمل في السفارة الإيرانية في اوسلو، قدم طلباً للجوء في ديسمبر الماضي».«وكالات»