كتب - حسين التتان:سليم وافد بنغالي في نهايات العقد الثالث من عمره، يعمل حارساً للبيوت قيد الإنشاء بالبديع، ويلمع سيارات أهالي المنطقة بعقد شهري، وبين هذا وذاك ينظف الشقق المأهولة في «الويك إند»، يحلم بامتلاك فيلا ومزرعة في بلاده بنغلادش.قدم سليم البحرين قبل 4 أعوام، تاركاً زوجته الشابة وأطفاله الصغار، لم يزرهم أبداً طيلة الفترة، كان مسكوناً بهاجس توفير المال لتحقيق حلمه الضائع، والآن يوشك أن يحزم حقائبه مغادراً، ليس قبل تحقيق الأمنيات فقط بل محملاً بالسرطان أيضاً.أمنية لم تتحققاختار سليم طوال السنوات الأربعة رجليه لتقودانه من محل عمل لآخر، وأحياناً قليلة تجده يقود دراجته الهوائية كنوع من التغيير «كانت حياتي حلوة مع ذلك.. وأحلم أن أعود في النهاية لبلادي والأمنيات محققة».كغيره من مئات ألوف الوافدين، سليم واحد ممن يملؤون شوارع الوطن جيئة وذهاباً، بالنسبة لسليم «لا أحد يلفت إلي» كما لا يلتفتون لغيره.لم يكن اختيارنا لسليم لشيء مميز في شخصه، اخترناه ليحدثنا عن حلم قطع من أجل تحقيقه المحيطات، حدثنا عن وجع الاغتراب وألم الفراق، حدثنا كيف تنام وتحلم برؤية أبنائك باليوم التالي، قال لنا كل شيء أو هكذا ظنناه.سليم لم يغادر البحرين منذ أن وطئها، سعى جاهداً لبناء مستقبله، عمل حارساً وبواباً ومنظف سيارات وشقق، قضى ساهراً أياماً متواصلة دون أن يغمض له جفن، حلم بالجنة الموعودة هناك في بنغلادش، وأخيراً استيقظ على آلام مبرحة تثقل صدره، شك الأطباء أنه مصاب بالسرطان، الآن هو في خوف وحيرة «أفكر بالعودة إلى الوطن بأقرب فرصة، هناك العلاج أقل كلفة» وينصح سليم أمثاله من الوافدين «لا تحلم فالأحلام يمكن أن تتبخر بلحظة».الجنة المفقودةعمل سليم في شتى المجالات، لم يترك مهنة أو صنعة إلا وجربها، نحت الصخر بحثاً عن النقود «أحلم أن أكون أسير قلعة حصينة في بنغلادش تحفها مزرعة بأشجار وارفة الظلال».يحرس سليم اليوم المنازل قيد الإنشاء بالبديع، وينظف سيارات أهالي المنطقة بعقد شهري، وبين الفرصة والفرصة يلمع البيوت المأهولة نهايات الأسبوع لقاء النزر اليسير من المال.يجمع ما يكفيه لتدبر شؤونه المعيشية في البحرين، بأقل قدر ممكن من المصروف «باقي ما أجنيه من نقود أرسله لزوجتي في بنغلادش، تخبئها لحلمنا المشترك»، اليوم وبعد أن اختلف الحال «قد أنفق كامل ما ادخرته في رحلة العلاج من المرض الطارئ».لا يهتم سليم بمظهره إطلاقاً، يلبس وينتعل ما تيسر وانتهت القصة، ربما لأنه مسكون بحلم المستقبل ولا يفكر بما سواه «أعتقد أن الترف والرفاهية لا مكان لهما في غربة الأوطان، أمر غير لائق على الإطلاق أن تتنعم بعيداً عن أطفالك» لا شيء يتقدم لدى سليم على تحقيق رغائبه بمزرعة وبيت أنيق. رحلة اغتراب بحثاً عن حلمقدم سليم إلى البحرين قبل 4 أعوام، ولا ينفك عن كيل المديح لناس هذه الجزيرة الواعدة «لم ألق منهم من سوى الحب والترحيب وحسن المعاملة»، ويجزم أنه لو أراد الرحيل لطلب لقمة العيش، فإنه لن يختار بعد البحرين سوى وطنه.يملك أهل سليم في بنغلادش مزرعة صغيرة، ويحلم بعد عودته المؤكدة إلى هناك، أن يمتلك المزرعة ويعتني بها ويستصلحها ويستثمرها في إنتاج المحاصيل الزراعية وبيعها والتكسب منها.تراود سليم أحلام امتلاك منزل جميل وأنيق في وطنه الأم «ما كفاحي واغترابي إلا لتحقيق حلمي الأثير»، هو لم يقطع عشرات آلاف الأميال من بنغلادش إلى البحرين لشراء مستلزمات ثانوية وكمالية لأفراد أسرته، بل جاء ليرى حلمه واقعاً يتحقق.حالم بلا حدود ليس سليم وحده من يحلم فالمغتربون يشاطرونه «الهم» ذاته «ليس لحلم أي مغترب حدود، لكنني بشكل خاص أتغاضى عن مغريات الحياة، في سبيل أن أعود لموطني والأمنية تحققت هناك».سليم نشيط كالنحلة، لا يهدأ ولا يستقر بعمل واحد، يتنقل من مصدر رزق لآخر، لا ينام إلا بعد أن يتغشاه النعاس من الجهد والكد المتواصل، ينام وهو يحلم بالوطن.يستيقظ سليم فجراً، يؤدي واجباته ومهامه دون كلل أو ملل، هو شخص عادي كغيره من الوافدين، إلا أن بداخله أحلاماً كبيرة لا يمكن تصورها إلا حين نضع أنفسنا مكانه.يوشك سليم أن يغادر البحرين بعد المرض العضال، ولم يتبق له في البحرين سوى أيام أو أسابيع معدودة، يعود بعدها إلى وطنه محملاً بأجمل الذكريات، ربما يحقق بعضاً من أمنياته وأحلامه، أو ينفق ما ادخره على العلاج من السرطان الطارئ «أعتقد أن سبب السرطان هو نوع الغذاء الذي أتناوله».أعتقد أن ما يدخره شهرياً في البحرين، كفيل بتحويل حلمه واقعاً «لكن بعد المرض وما يحتاجه من تكاليف، ربما تتبخر الأحلام دفعة واحدة»، ومن يدري ما تخبئ الأيام المقبلة لسليم من مفاجآت؟.