يعتقد أستاذ علم الاجتماع بجامعة البحرين د.باقر سلمان النجار، أن الشخصية الفكرية للدكتور محمد جابر الأنصاري كانت وليدة سياقات ومحطات مر بها أو توقف عندها، وجماعات تشابك معها وأحداث مر بها. وقال في ورقته البحثية في اليوم الثاني لانطلاقة مؤتمر اتحاد الأدباء والكتاب العرب بالمنامة بنسخته الخامسة والعشرين، إن مرحلة النشأة الأولى في حياة الأنصاري بدءاً من مدينة المحرق مروراً بيروت وبريطانيا وباريس، طبعت بصماتها على نمط حياة الأنصاري ونتاجه الفكري ومواقفه ودعواته السياسية واتجاهاته الاجتماعية والثقافية.ورأى في كتابات الأنصاري محاولة لفهم الحاضر العربي بمختلف إشكالاته التاريخية والسياسية، للمساهمة في بناء مستقبل أفضل للأمة العربية يتيح للعرب حضوراً أكثر فاعلية وأنضج إبداعاً.وأضاف «رغم أن دراسة الأنصاري تقع فيما يسمى في الدوائر الأكاديمية بالأدب العربي، إلا أن طبيعة نشأته الفكرية واهتماماته الواسعة وتجربته الكتابية وقراءاته المتعددة المنفتحة على الأفكار والتخصصات المختلفة في العلوم الإنسانية والاجتماعية جعلت منه مفكراً ذا معرفة موسوعية تدخل في حقول المعرفة الإنسانية والاجتماعية المختلفة».محطة بيروتولفت النجار إلى أن بيروت لم تكن بالنسبة للأنصاري، وحتى ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية، محطة للدراسة فحسب، بل إنها في انفتاحها الثقافي وتنوعها الإثني وتعدديتها السياسية وجمال طبيعتها، مثلت فضاءً ثقافياً واجتماعياً فريداً من نوعه في المنطقة العربية.وقال «شكلت البيئة السياسية المنفتحة في المجتمع اللبناني وهامش الحريات المتاحة داخل أسوار الجامعة الأمريكية والجامعات اللبنانية الأخرى، وانخراط بعض أساتذتها في هذه الحركات، فضاءً مفتوحاً مستقطباً لكثير من طلبتها إما بالانخراط في هذه الحركات أو تبني بعض أطروحاتها الفكرية أو التأثر بمواقفها السياسية». وأردف «رغم أن الأنصاري عروبي في طرحه قومي في مواقفه وأفكاره، إلا أن أياً من هذه الحركات لم تجذبه، رغم قربه من بعض رموزها داخل أسوار الجامعة الأمريكية، فهو بقي بعيداً عن الأطر التنظيمية للحركات السياسية القومية كحركة القوميين العرب والبعثيين والحزب القومي الاجتماعي، رغم كونه مفكراً قومياً عروبياً الهوى، إذ شكلت الأمة العربية وقضية نهضتها موضوعاً لرسالته العلمية، لأنه أدرك منذ البداية أن الدخول في الأطر التنظيمية السياسية الجامدة تحد من قدرة الباحث على رؤية الحقيقة وتحجب عنه الموضوعية». ونبه النجار إلى أن بيروت مثلت أهم محطات حياة الأنصاري العلمية والفكرية «فيها بدأ دراسته الجامعية حتى مراحلها الأخيرة، وفيها تشكلت رؤاه وأطروحاته العلمية والفكرية، وكان لاحتكاكه بشخصيات أمثال خليل حاوي وإحسان عباس وسعيد فريحة وجبرائيل جبور ونديم نعيمة وقسطنطين زريق الأثر في بنائه الفكري».الدراسة في أوروبايقول النجار إن علاقة الأنصاري بأوروبا لم تكن ذات العلاقة التي كونها مع البلاد العربية وتحديداً بيروت «الأنصاري اعتبر بيروت صاحبة الفضل في تكوينه العلمي وتشكيله المعرفي، في أوروبا حاول أن يحط رحاله في كمبريدج ولكن التوق لم يشده للبقاء فيها فعاد إلى البحرين، إلا أنه كون قدراً من العلاقة مع باريس الثقافة التي انتقل إليها عام 1979، عاملاً في مؤسسة الصياد الصحافية، وحاول في هذه الفترة تعلم اللغة الفرنسية إلا أنها كلغة لم يستفد منها كثيراً لقلة استخدامه لها إذا ما استثنينا ترجمته لمقابلة سارتر قبل وفاة الأخير بسنة أو سنتين».كانت باريس -حسب النجار- ومازالت تمثل بالنسبة للأنصاري أحد أهم المراكز الثقافية في العالم، يحرص على الذهاب إليها كلما سنحت الفرصة، وأضاف «وظف الأنصاري وجوده في باريس لإقامة علاقات ثقافية مع كثير من الرموز العربية ومع بعض المفكرين الفرنسيين، وشارك أثناء وجوده هناك مابين 1980-1983 في أعمال المجلس التأسيسي لمعهد العالم العربي في باريس، وساهم في وضع الاستراتيجية الثقافية العربية».وأشار إلى أن باريس أكسبت الأنصاري خلال سنين إقامته وعمله فيها، فهماً أعمق للثقافة والفكر الغربي «التعددية الثقافية والسياسية القائمة في المجتمع الباريسي عمقت لديه القبول بالمختلف فكرياً وسياسياً ضمن أطر وأخلاقيات التعددية الثقافية والسياسية، ما يتعارض مع أي شكل من أشكال الأفكار الشمولية». ويعتقد أن الأنصاري لم يلتق مع جماعتين بفعل فكرهما الشمولي، ولم يتجاوب مع أطروحاتهم وهي الجماعات الماركسية والإسلاموية «طبيعة تكوينه العلمي وقيمه الثقافية والسياسية القائمة على القبول بالتعددية والتسامح، اصطدمت مع أطروحات هذه الجماعات منذ بدايات دراسته في بيروت، مروراً بخبرات وممارسات هذه الجماعات في كثير من الأقطار العربية».خبرات العملويرى النجار أن الواقع المعاش المحلي والخليجي والعربي وخبرة العمل في جامعة الخليج العربي، كان بمثابة اختبار التراكمات المعرفية للأنصاري، وانصدامها الأول مع قدرة التراكمات التراثية العربية والإسلامية على فهم الواقع العربي القائم «الأنصاري يرفض أحادية التفسير الذي تأخذ به المداخل النظرية الاقتصادية والجغرافية، وهذا واضح وجلي في مؤلفاته وكتبه».وينقل عن الأنصاري قوله «إنني غير معني منهجياً بتغليب عامل على آخر من عوامل التكوين المجتمعي - السياسي، ولا الالتزام بأولوية عامل بعينه على عوامل أخرى».ورد قول الأنصاري إن «التراث الفكري العربي يمثل مدخلاً لتفسير بعض ظواهر الحاضر»، إلى اطلاعه على التراث العربي والإسلامي وإمساكه بناصية النظرية الغربية، إذ يعتبر ابن خلدون رائد الفكر السياسي العربي وهو كما يقول الأنصاري «يعود إليه الفضل في إيقاف الفكر السياسي عند العرب على رجليه بعد أن ظل مقلوباً على رأسه عبر التنظيرات الكلامية والفلسفية المثالية لقرون، وإذا كانت الأجيال الفكرية والسياسية جاءت بعد ابن خلدون مباشرة ولم تستفد من ثورته المنهجية، فإن الفرصة التاريخية لاتزال سانحة للاستفادة من واقعية ابن خلدون في مقاربة الإشكال السياسي العربي وخلفيته المجتمعية - التاريخية التي لم تنل حقها من التوصيف والتشخيص والنقد العلمي رغم مرور كل هذا الزمن».الأنصاري مفكراًوعد أمين عام مجلس التعليم العالي بوزارة التربية البحرينية د.رياض يوسف حمزة في ورقته البحثية، الأنصاري رائداً للحركة الفكرية والثقافية في البحرين، وأحد كبار رواد الفكر والسياسة في الوطن العربي، بعد أن غطت كتاباته ومقالاته وتحليلاته السياسية ورؤاه الفكرية مساحات واسعة من صحافة الوطن العربي من خليجه إلى محيطه.وقال «رغم أن الأنصاري بدأ مشواره بكتابات أدبية ونقدية، إلا أنه اتجه إلى الكتابة في مجالات الفكر والسياسة والثقافة، مثرياً المكتبة العربية بكتب هي بأمس الحاجة إليها في تاريخنا المعاصر».ورأى في تبني الأنصاري مشروعاً فكرياً وثقافياً بالغ الأهمية، عبر دراسة البنية الذهنية والمجتمعية للواقع العربي، وقال «هو مشروع نال اهتمام النخب المثقفة في العالم العربي، وأخذت تبرز على صدر صفحات الصحف الكثير من المقالات والدراسات المتعددة تناولت فكره بالدراسة والبحث والتحليل». ولفت إلى أن الأنصاري شغل بفكره ورؤاه كبار المفكرين العرب باعتباره أحد أبرز رواد الفكر العربي في التاريخ المعاصر، مضيفاً «اعترف بذلك جمهرة من كبار المفكرين والأدباء والكتاب العرب على تجاوز فكره ضفاف الخليج وصحراء الجزيرة العربية لينفذ إلى جميع الأقطار العربية المشرقية منها والمغربية».ونبه إلى معطيات متعددة دفعت الأنصاري إلى إصدار مؤلفات يربو عددها على العشرين، غطت جوانب مختلفة من الفكر والثقافة، داعماً بذلك مشروعه الفكري الذي انطلق من خبرة علمية متراكمة، واحتكاك بالعديد من المنظرين والمفكرين في العالمين العربي والأجنبي، ما جعل مشروعه الفكري يفرض نفسه في عالم يموج حالياً بالعديد من التنظيرات والرؤى والأيديولوجيات المختلفة.ورأى في اختيار الأنصاري منطقة فكر وإطلاله منها على ساحة معرفية مشتركة تجربة فريدة «تقع على خطوط التماس مع الدين والفلسفة والسياسة والأدب، وعالج من خلالها واحدة من أدق إشكاليات العصر وأعقدها وأكثرها مدعاة للجدل والحوار، ألا وهي التوفيقية».البحرين.. الحضارة والتاريخيقول حمزة إن البحرين جزيرة صغيرة محدودة بمساحتها، ثرية بتاريخها وثقافتها وتفاعلها مع الحاضر والمستقبل «هذا كله كان أرضية ثبتت مقدرة مميزة على استبصار التاريخ والبحث في المجتمع، وطرح الأسئلة والبحث عن أجوبتها، وهذا ما فعله نفر ليسوا كثيرين في أقطار العروبة، وهذا بالذات ما فعله محمد جابر الأنصاري».وقال إن الأنصاري طوف العالم شرقاً وغرباً، بحث في النظريات والرؤى وبدأ يكون اسماً لامعاً في هذا الحقل، وأصبح واحداً من منظومة المفكرين الاجتماعيين الذين يدمجون الفلسفة بالسياسة والأدب المجتمعي.ويفسر حمزة وجهة نظره عن التاريخ الفكري للأنصاري «كتب الأنصاري سلسلة كتب، نثر آراءه ونظرياته في كل مواقع الكتابة البحثية والحوارية والمقالية، وصارت له ملامح ذهنية وفكرية واجتماعية مميزة يعرف بها بين المبدعين الآخرين في أرجاء الوطن العربي الكبير».ويرى في الأنصاري «بحكم صلته بمناهج التفكير، وعمق معرفته بها، فهو رجل متفتح الذهن والعقل، ينحاز إلى المعرفة والحقيقة أينما وجدها، ويوظف كل ما هو أصيل وحقيقي وقابل للبرهنة».وينبه إلى أن الأنصاري يؤمن بوحدة الثقافة الإنسانية، ووحدة عناصر الإبداع «لا ينحاز إلى أي جنس أدبي إلا بقدر انحياز هذا الجنس إلى التجربة الإنسانية فيغنيها ويثريها».الأنصاري والدولة المدنيةويقارب مستشار الدراسات الاستراتيجية بوزارة الخارجية البحرينية د.محمد نعمان جلال في ورقته، ظاهرة بالغة التعقيد والحساسية، وتنطوي على قدر من المغامرة، وتحتاج لقدر من الدقة في تحديد المفاهيم المرتبطة بها، ألا وهي «موقف الأنصاري من مفهوم الدولة المدنية».ويرجع جلال تعقيد الظاهرة إلى تداخل ثلاثة عناصر رئيسة الأول «دراسات الشخصية» ويراها «مسألة صعبة، فالإنسان حقيقة مركبة من مشاعر وأحاسيس، ومن عقلانية ولا عقلانية، من فكر واضح وآخر مستتر، ومن نوايا معلنة وغير معلنة، ومن واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي، ومن ظروف ترتبط بالمجتمع ومراحل تطوره وأخرى ترتبط بالمؤثرات الخارجية المحيطة بالفرد».والثاني «دراسة الدولة المدنية» وهي أيضاً مفهوم جديد لم يتفق على توصيف محدد له والثالث «عملية الخلط والتشويه» المرتبطة بمفهوم الدولة المدنية ومدى علاقتها بالمفهومين العلماني أو الديني.ويعود جلال إلى مختلف مؤلفات الأنصاري «نجد فيها تعبيراً عن الدولة المدنية بصورة أو بأخرى، ولكن هناك تركيز أكبر في ستة كتب هي:رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية وشواغل الفكر بين الإسلام والعصر، الناصرية بمنظور نقدي، الفكر العربي وصراع الأضداد، تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها، مساءلة الهزيمة، العرب والسياسة أين الخلل؟».ويشير بإيجاز لبعضها وخاصة كتاب «رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية» باعتباره الأكثر اتصالاً بصلب موضوع مقاربة الدولة المدنية، ويفصل فكر الأنصاري بالنسبة للدولة المدنية في عدة بنود تشمل المنهج النقدي للسياسة والفكر وبعض المفاهيم الدينية السائدة للوصول للحقيقة. ويقول إن هذا المنهج النقدي تحدث عنه المفكر الإسلامي أبو حامد الغزالي رغم اختلاف وجهات النظر بشأن فكره وظرفه وسلوكه تجاه الحاكم العباسي آنذاك، ويعتقد أن كتابه «المنقذ من الضلال» الذي أوضح فيه منهج الهداية لديه هو أساس الفكر النقدي. ويضيف أن الدولة المدنية في فكر الأنصاري تعتمد على 6 أسس «تشمل المنهج النقدي للحياة والسياسة والمجتمع والأحداث في كتابه «الناصرية بمنظور نقدي»، والإيمان بالتطور والتقدم الإنساني، النظرة الواقعية للحياة وليست المثالية الحالمة، ولا الاستسلامية الخانعة، حيث نظر الأنصاري للسعودية كدولة اتحادية، وللإمارات كذلك، ورفض مفهوم حرق مراحل التطور، وأدرك بعين ثاقبة كيف يحدث التطور في المنطقة العربية ذات الطبيعة القبلية التي بعد أن وحدها الإسلام عادت قبائل ومناطق ودويلات، ثم جاءت خطوة نحو الوحدة في قيام المملكة العربية السعودية ثم الإمارات المتحدة، وإن اختلفت الأساليب في كل حالة من هاتين الحالتين باختلاف طبيعة الزمن والظروف والمستجدات».ورابع هذه الأسس -حسب جلال- الإيمان بالتراث والدين كقيم وكمبادئ فيما يتعلق بالنظام السياسي للمجتمع، أما الشعائر فهي تخص الإنسان الفرد «هنا نجد الأنصاري يقبل الدولة المدنية ويرفض الدولة الدينية اللاهوتية الثيولوجية».ونبه إلى أن الأنصاري يقارب في هذا المجال مفهوم التطور المستمر كما في كتابه «تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها»، وقال إن البعد الوطني في تعبير الأنصاري عن البحرين ونظامها السياسي، يثير إشكالية علاقة المثقف بالحاكم، فلا هو داعية ومروج إعلامي، ولا هو معارض مناهض لمجرد المعارضة. ويرى أن التاريخ الإسلامي عرف نماذج عديدة من هؤلاء المثقفين «اختار الأنصاري موقفاً وسطاً، ولعل هذه الوسطية هي من سمات الإسلام، وهي من سمات المثقف، فالمثقف الحق هو داعية فكر، وليس باحثاً عن منصب أو شهرة، هو معبر عن رأي موضوعي ذاتي وليس عن موقف حكومة، إنه ناصح للحاكم وليس جزءاً من الإدارة التنفيذية التابعة له». حضارة الأصوات المتعددةويخلص جلال إلى أن الأنصاري ركز على عدة نقاط بالنسبة لمفهوم الدولة المدنية، وعدها تعبيراً عن حضارة الأصوات المتعددة، أما الدولة الدينية خاصة والعقائدية عامة، فهي تعبر عن حضارة الصوت الواحد، وهذا يؤدي للديكتاتورية والملك العضوض كما وصف الفقهاء حكم الدولة الأموية الذي جاء بعد انتهاء عصر الخلفاء الراشدين الأربعة.ووصف التعبير الآخر بالتفاعل بين السياسي والمفكر «المثقف» وقال «الدولة الدينية تعبر عن سيطرة السياسي على المثقف وخضوع المثقف وثقافته للسياسي، لهذا أشار الأنصاري في أحد كتبه إلى ظاهرة انتحار المثقفين وهو انتحار أدبي معنوي، وليس بالضرورة انتحاراً مادياً وجسمانياً». وثالثها -يقول جلال- مفهوم التعدد في السياسة والدين والثقافة والاقتصاد والفكر، وهو وثيق الصلة بمفهوم الحرية، أما الدولة الدينية فهي تقوم على مفهوم الوحدانية والواحدية، دولة شمولية تؤمن بالفكر الواحد والمبدأ الواحد، وما عداه كفر وهرطقة وخيانة ونحو ذلك «هنا خلط بين مفهوم الوحدانية لله باعتباره أساس عقيدة الإسلام وبين المظاهر السياسية والاجتماعية والثقافية بما في ذلك احترام الأديان الأخرى في الدولة».وأضاف جلال أن «النقد للذات وكل ما يحيط بها أو يصدر عنها من تصرفات رابع هذه المفاهيم، وهذا النقد يعتمد على المنهج العملي والعلمي، فهو ليس نقداً هداماً ولا نقداً اعتباطياً وعشوائياً، وإنما له قواعده وأسسه، وركز الأنصاري على ذلك في عدة كتب أبرزها الناصرية بمنظور نقدي، ومساءلة الهزيمة، والعرب والسياسة أين الخلل؟». ونقل عن الأنصاري أسباب إخفاق التجربة الناصرية بعجزها عن الانتقال من فكرة التوفيق والحلول الوسط إلى فكرة التركيب الهيجلي «هنا تكمن في تقديري ليس فقط مشكلة الناصرية، وإنما مشكلة الفكر العربي وربما الإسلامي بأسره، وهنا يكمن أكبر نقاط ضعف الشخصية العربية وهي العمل مثل النملة والبدء من الصفر في كل مرحلة غير عابئة بل أحياناً تحطم ما قبلها، ومن ثم تظل محل سر ولا يتقدم الفكر والسياسة والاقتصاد في عملية تراكمية، وهذا بخلاف المنهج الغربي الذي يجعل المجتمع يصلح نفسه، ويتقدم بصورة مستمرة في عملية تراكمية متصاعدة».ويخلص الأنصاري في كتابه «الناصرية بمنظور نقدي» والكلام لجلال، إلى أن أهم الدروس المستفادة من التجربة الناصرية هي أنه «لا يمكن الإصلاح مع وجود الفساد» بالطبع الفساد في عهد عبدالناصر كان محدوداً ثم تحول ليصبح أسداً هصوراً في عهد حسني مبارك على حد وصف نعمان جلال. وتابع جلال «الثاني أن النظام السياسي لابد أن يقوم على مؤسسات حتى لا يحدث التراجع، ولعل الدولة العربية في مختلف العهود لم تعرف ولم تطور مفهوم المؤسسات، وعندما أوجدتها كانت مؤسسات شكلية، بخلاف ما حدث في أوروبا، وهذا أحد ركائز الدولة المدنية بخلاف الدولة الدينية التي تعتمد على فكر المرشد أو الفقيه، وهو المرجعية العليا في السياسة والاقتصاد والحرب والسلم».
الأنصاري.. توفيقية على خطوط التماس بيــن الديــن والفلسفــة
24 ديسمبر 2012