عند سفوح جبل توبقال، أعلى قمة في شمال أفريقيا (4167 متراً)، تقع مدينة تاليوين، التي يسميها المغاربة «عاصمة الزعفران»، وهو كنز يعول عليه سكان هذه المدينة الصغيرة لجذب مزيد من السياح. واحتضنت هذه المدينة الأمازيغية التي تقع على ارتفاع حوالى 1500 متر عن مستوى البحر، مهرجان الزعفران في دورته السادسة مطلع ديسمبر، حيث عرضت مختلف المنتجات المرتبطة بـ»ملك التوابل». وتنوعت السلع المعروضة بين الأدوية ومستحضرات التجميل والمواد الغذائية. وثمة من يقول إن للزعفران دوراً في إثارة الشهوة الجنسية. ويتركز 90 % من إنتاج الزعفران المغربي في كل من تاليوين وجارتها تازناخت، وهو يقدر بثلاثة أطنان في السنة فيما مداخيله تصل إلى 75 مليون درهم (6,75 ملايين يورو). وكانت الدورة السادسة لمهرجان الزعفران مناسبة احتفالية بالأساس، إلا أن مسألة تعزيز هذا القطاع كانت محور نقاش عدد من الندوات التي نظمت بموازاة المهرجان. ومع أن «الذهب الأحمر» نعمة على أهل المنطقة، إلا أن إنتاجه محلياً مهدد خصوصاً بمنافسة السوق غير الرسمية. ويقول إدريس سميح، المدير العام لـ»تعاونية سكتانة» إن «ملك التوابل» يأتي على رأس المنتجات الغذائية الأكثر عرضة للغش والتزوير. فيعمد كثير من الباعة إلى خلط خيوط الزعفران الأصلية («الزعفران الحر» كما يسميه المغاربة) مع خيوط حمراء لبعض النبتات الشبيهة، بحيث لا يستطيع المشتري العادي التمييز بينها، نظراً لقوة رائحة الخيوط الأصلية. وأمام هذا الوضع، يشدد المسؤولون المحليون على الكلفة المالية الكبيرة لإنتاج الزعفران الأصلي في مقابل الزعفران المغشوش، حسب توضيحات زهرة التفراوي، عضو «تعاونية سكتانة» لوكالة فرانس برس. ويحتاج المزارعون للعمل ثلاثة أشهر في زراعة الزعفران وريه. وندرة الزعفران الأصلي ذي النوعية العالية تجعل سعره مرتفعاً، فالزهرة التي تحوي خيوط الزعفران تتطلب ظروفاً مناخية خاصة تجمع في الوقت نفسه بين حرارة الصيف وبرودة الشتاء ورطوبته. ويتم قطف زهور الزعفران بين منتصف أكتوبر إلى منتصف نوفمبر، خلال ساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً ابتداء من ساعات الفجر الأولى قبل أن تتفتح الزهور، حيث يتطلب الحصول على غرام واحد من الزعفران الخالص والجاف، حوالى 200 زهرة! ولهذا السبب يراوح سعر «الذهب الأحمر» بين 2,3 و10 يورو للغرام الواحد. لكن في السوق غير الرسمية، «يتم بيع المنتج بأسعـــــــار لا تســــــــــــاوي حتى كلفة الإنتاج»، على ما يشرح محمد باسعيد مدير دار الزعفران التــــي تضــــم مجموعــة تعاونيات في تاليوين. ولمواجهة السوق غير المهيكلة تم حث المنتجين على التكتل من أجل القضية نفسها، حيث يساهم المهرجان في هذا المسار و»يمكن المزارعين من الالتقاء والتبادل وتنظيم أنفسهم» أكثر، على ما يشرح باسعيد. وظهرت أول تعاونية لإنتاج الزعفران في المغرب سنة 1979، لكن ظهور التعاونية الثانية تطلب الانتظار حتى سنة 2004. ومنذ ذلك الحين كما يشرح باسعيد، «حاولنا أن نبين أهداف التعاونيات وفلسفتها بمساعدة بعض الجمعيات، ففهم المزارعون المنافع من تأسيسها». ولم يتجاوز عدد التعاونيات ألاربع في الدورة الأولى لمهرجان الزعفران في 2007، ليصل عددها اليوم إلى ثلاثين، منها 18 منظمة في إطار دار الزعفران في تاليوين، وهي عبارة عن «بورصة للزعفران» تمثل مصالح كبار المنتجين وصغار المزارعين. وبفضل مجهودات هذه البورصة حصل منتجو الزعفران قبل سنتين على «تسمية المنشأ الأصلي»، التي يقول عنها باسعيد إنه «مكسب كبير» لمزارعي المنطقة. وصادق البرلمان المغربي في العام 2008 على ظهير (قانون) متعلق بالعلامات المميزة للمنشأ والجـــــــــودة للمواد الغذائية والمنتوجات الفلاحية والبحرية، فيه شروط صارمة للحصول على علامة «تسمية المنشأ الأصلي» أو «البيان الجغرافي المحمي» المميزة للمنتجات المغربية الأصيلة. ووحدها التعاونيات والمزارعون الذين يلتزمون بالشروط المحددة للإنتاج يحصلون على العلامة التي ترفع من قيمة وثمن منتجهم. ويحتاج إنتاج الزعفران في المنطقة إلى جهود ومتابعة أكبر، فوفقاً للأرقام الرسمية ما زال 60 % من إنتاجه يتم بطريقة غير منظم. ويعتبر محمد باسعيد أن على «جميع المزارعين أن ينضموا إلى التعاونيات، التي يظل نقصها سبباً في ضعف وعدم استقرار القطاع». رغم ذلك يبدي طارق أوتراح رئيس قسم تطوير المشاريع الاجتماعية في وزارة الفلاحة المغربية، تفاؤله حيال مستقبل الزعفران، حيث يعتبر انه «خلال سنة أو سنتين» سيكون هناك نشاط زراعي «مهيكل ومنظم» في قطاع الزعفران. وتراهن الحكومة المغربية من خلال مخطط «المغرب الأخضر» على توسيع المساحة المزروعة من الزعفران إلى 500 هكتار وتجهيز 1030 هكتاراً أخرى بالري الموضعي لاقتصاد 55 % من المياه، مع توفير التأطير والمساعدة التقنية للمزارعين. وحسب التقديرات الرسمية فإن المشروع سيسمح برفع إنتاج منطقة تاليوين من 1325 كيلوغراماً إلى 6695 في السنة، وزيادة الإنتاجية من 2,5 كلغ إلى 6,2 كلغ في الهكتار، ما سيضاعف من مداخيل المزارعين ويستحدث 600 فرص عمل جديدة. وتلعب دار الزعفران التي تبلغ ميزانيتها 6,5 ملايين درهم (585 ألف يورو)، دور بورصة خاصة بالزعفران، حيث تقتنيه بأسعار مناسبة من المزارعين بدل بيعه في السوق السوداء بأسعار بخسة، أو استبداله مقابل المواد الغذائية.