كتب ـ جعفر الديري: اتخذت زينتها كأحسن ما تكون الزينة، ارتدت لباساً يبرز معالم جسدها الفاتن، سرّحت شعرها بطريقة طالما أعجبته، حتى إذا اطمأنت على هندامها خرجت من سكنها المتواضع وركبت سيارتها قاصدة فوهرر ألمانيا العظيم. كانت تحسد نفسها، لأن هتلر الذي تنحني أمامه رقاب الأعداء قبل الأصدقاء، انحنى لها لرقتها وأنوثتها، خضع لسلطان جمالها دوناً عن فاتنات ألمانيا بأسرها، لا تملك من حطام الدنيا شيئاً يذكر، لا إرث ولا عائلة عريقة، مجرد فتاة جميلة بهية الطلعة ممشوقة القوام، كانت عارضة أزياء وفقط. تذكّرت إيفا براون في طريقها للقاء الفوهرر كيف تعرفت عليه، كانت تعمل مصوّرة بل مساعد مصور في أحد مكاتب غوبلز وزير الدعاية النازية حين دخل الفوهرر فجأة، ما أقبح شكله وانحناءة ظهره، لكنه كان صاحب حضور آسر، أحست بالعرق يتصبب من جبينها، حتى إذا ذهب شعرت برغبة كبيرة في الحياة، تراءت أمام عينيها مباهج الدنيا ومفاتنها، الاستحواذ على الفوهرر يعني حياة عريضة ملؤها الغنى والجاه.حين تكون مع الفوهرر يعني أن يقف لك الرجال احتراماً وتزلفاً، وتتقرب منك النساء جميعهن، حتى زوجات أصحاب القرار لن يدخرن جهداً في إرضائك، هن لسن قريبات إلى الحد الذي وصلت إليه إيفا براون، وغداً لن تظل الأشياء كما هي عليه اليوم، بل سيكون بيدها كل شيء. لم تكن إيفا تتصور أن يقع هتلر فريسة حسنها وجمالها بهذه السهولة، مجرد رسالة وضعتها بين أوراقه، وانفطر قلب الرجل الذي دوّخ أوروبا والعالم بأسره، فإذا بها تتوج نفسها ملكة على عرش قلبه. كانت السيارة وصلت بها إلى الفوهرر، استقبلت بحفاوة الملكات، وتطلعت لها عيون الجميع بمن فيهن المجندات، أغلبهن كنّ على درجة من الجمال، بدأن بأكلها بعيونهن، شعرن بواسطة الحاسة التي تميزهن أن هذه الفتاة مختلفة، ولن تلبث أن تحوز كل شيء. دخلت مكتب الفوهرر بابتسامة مزيجة بين الشماتة بالمجندات والسعادة بلقاء زعيم ألمانيا العظيم، تشيع على فمها، كان بانتظارها هناك، وما أن وقعت عيناه عليها حتى صوّب باتجاهها نظرته الخارقة، وأخذ بتأملها، تلك إذاً الفتاة التي ستموت معه كما أنبأته العرّافة، ومع رجل يؤمن بالمنجمين ويرى أنهم قادرون على كشف الحجب، لا مجال للتراجع، فليعش لحظته إذن ويترك المستقبل للمستقبل. دعاها للجلوس، قدم لها سيجارة فاخرة كما فعل نبلاء أوروبا طوال قرون، تقبلتها بلطف، قبل أن يسألها على حين غرّة هل أُعجبك؟ تماسكت رغم شخصية الفوهرر الطاغية، وما ترسّب في ذهنها من تقديس للرجل الذي يعشقه الملايين وأجابت بلى. وجاءها السؤال الثاني صعباً كالأول.. ولماذا؟ لكنها هذه المرّة لم تفاجأ، اتخذت حيطتها وهي تعرف تماماً مفتاح شخصية هتلر، وربما يكون السبب الأول الذي جعل الفوهرر يتعلق بها ويهيم حباً وشغفاً، أجابت في صوت واضح وعميق أنت أمل ألمانيا بمستقبل يشبه عزّة ماضيها.التمعت عينا أسطورة ألمانيا.. أحس بقلبه يقفز سعادة كعصفور صغير غادر عشه تواً، لم يحدث أن أجابه أحد على سؤاله هذا بوضوح أشد، فمذ كان في السجن، ومذ رأى نفسه متربعاً على عرش ألمانيا، وهو ينتظر يوماً يخرج فيه ويجد الملايين يحنون رقابهم وأظهرهم ليوقع عليها، هو سيد ألمانيا تنبأ به العرافون قبل آلاف السنين، وستظل ذكراه تحكى لآلاف أخرى، أمّا إيفا فلن تفارقه لحظة، حتى في ساعة الموت ستكون إلى جانبه، هكذا قالت عرافة «لا تخطئ» وصدقها أشد ما يكون التصديق.