إنه مشهد غريب بقدر ما هو محزن، 3 أطفال في سنوات المراهقة الأولى، ينبشون الأرض بأيديهم وبالعصي التي يحملونها، بحثاً عن ملجأ يحتمون به من شبح الموت الذي يلاحقهم.ففي الوقت الذي يفترض أن يستمتع فيه هؤلاء الأطفال ببراءتهم، يقومون بحفر ملجأ ليحميهم من قصف الطائرات التابعة لنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، في منطقة قريبة من الحدود التركية، وتحديداً قرب مخيم «باب السلام»، الذي رفض استقبالهم.محمد ظافر، أحد هؤلاء الأطفال أكد أن الملجأ الذي يقومون بحفره بأيديهم، سيكون مخصصاً «لحماية الأطفال من قصف الطائرات»، ورفض أن يقتصر الملجأ على ثلاثتهم فقط، بل أكد «سوف نقوم بتوسعته ليسع 20 إلى 30 شخصاً».إن هذا المنظر يقف شاهداً على رحلتهم السريعة وغير الاعتيادية نحو مرحلة البلوغ، وبالرغم من أن هذه هي المرحلة التي يفترض بهم خلالها أن ينشغلوا بلعب كرة القدم أو اللهو، إلا أنهم مشغولون بحفر هذا الملجأ.ويمكن لمحمد أن يحدد صوت الطائرات ويميزها عن صوت الأسلحة الرشاشة والقنابل المتعددة، ويقوم الصبية بإحداث ثقوب في جدار الملجأ، كي يتمكنوا من رؤية ما يحصل حولهم خلال القصف، فهذا الملجأ الطيني يحمل بصمات الأطفال الذين حرصوا على بناءه، ليمثل الحل الوحيد المتبقي أمامهم.هذا هو الحال الذي آلت إليه حياة أكثر من 8 آلاف لاجئ سوري، قدموا نحو الحدود السورية التركية، لكنهم لم يستطيعوا عبور الحدود لمنع السلطات التركية استقبالهم منذ 6 أسابيع.وعلى الرغم من أن المسافة التي تفصلهم عن حياة أفضل، تقل عن 100 متر، إلا أنهم يبحثون عن الأخشاب والبلاستيك ليحرقوها بحثاً عن الدفء، ويجمعون الأعشاب سداً لجوعهم.ويمكن رؤية مخيمات اللاجئين السوريين الآخرين في الأراضي التركية من هذه المنطقة، وأكثر من 80% من اللاجئين المتواجدين في هذا المخيم، تركوا حياتهم هرباً من الحرب، ليعلقوا بين الحياة الأفضل أمامهم.ويزدحم المكان بالخيم البلاستيكية التي حمتهم من حر الصيف، لكن لا يتوقع أنها ستحميهم من برد الشتاء القارص، الذي يمثل ألد أعدائهم في هذا الوقت، إذ انتقلت عشرات العائلات إلى «الهناجر» التابعة لعدد من الشاحنات المركونة على الحدود، ليوفروا سقفاً يحميهم من البرد.لكن أصوات المدرعات التي يمكن سماعها من على مسافة بعيدة، تجعل خيار الإقامة في هذا المخيم أفضل من العودة إلى الحرب القائمة على الأراضي السورية.وأصابت شدة البرد عائلة عبد القادر حسن في وقتٍ باكر، إذ استيقظت العائلة في صبيحة أحد الأيام، ليكتشفوا أن ابنتهم سهام، تجمدت من شدة البرودة، ويقول والدها: «لقد دفنت ابنتي في القرية المجاورة، وشقيقتها تخاف الآن من البرد».لكن البرد ليس الخطر الوحيد الذي يهدد حياة 200 عائلة في هذا المخيم، بل الدخان الناجم عن حرق البلاستيك للدفء، الذي ولد موجة من السعال الشديد، يمكنك سماع صداها في مختلف أرجاء المخيم.ورغم أن اقتصاد أوروبا المزدهر لا يبعد عنهم كثيراً، إلا أن هذه هي طبيعة الحياة التي يمكن للعالم توفيرها لهؤلاء اللاجئين اليوم.«سي إن إن العربية»