كتب ـ جعفر الديري: الشاب الشجاع الوسيم جميل المحيا من أهل بادية الشام، أيقظ في نفسها الإحساس بسحر الشرق، شاهدته يتحوّل إلى مارد، يخوض بين الجموع، لا يرهب رجال القبيلة الأشدّاء ولا بنادقهم المصوّبة نحوه، لا يتركهم حتى يتراجعوا معلنين فشلهم في اختطافها هي الليدي الأنجليزية الثرية، ذات الحسن والجمال والقدّ والاعتدال، المرأة التي لا تقاربها أخرى سحراً ونعومة.. إنها الليدي جين ديغبي.كانت الليدي جين قطعت مسافة طويلة من بريطانيا حتى وصلت الطريق البادية بين حمص ودمشق عام 1852، يسير في ركابها شيخ بدوي شاب اسمه «مجول المصرب» وجماعة من قبيلته، يحمونها من قطّاع الطرق، وفيما كان الموكب يسير، كانت الليدي تتأمّل في الطلّة البهية للشاب، في الفضاء الممتد أمامها دون حواجز، حيث الأشياء على طبيعتها، وحيث الناس في عفويتهم. كانت تشعر لأول مرّة بالدم يتدفق في كل شيء، والحياة تدبّ في كل شيء.. ابتسمت ساخرة من نفسها وممن عرفتهم من بني قومها، هناك لا تجد سوى البرودة تغشى كلّ شيء، حتى الغضب يتوارى خلف حجاب النفاق، إنه البرود نفسه الذي جعلها لا تحترم أزواجها الأربعة، اشترطت عليهم واحداً واحداً ألا يتدخلوا في حياتها العاطفية.. ولم يعترضوا، ترى أيّ حياة مع زوج لا يغار؟! كانت كثيراً ما تتساءل، هل هم من ذوات الأرواح حقاً؟! لكنّ هذا الشاب رجل حقيقي.. ليتها تعرفت عليه من قبل لعاشت معه امرأة شريفة طاهرة الذيل قبل أن تتلوث بالخيانة. قالت للشاب: كان يمكن أن تقتل؟. أجاب وعلى فمه ابتسامة واثقة لقد كان واجبيألم ترهب بنادقهم؟ إن الفشل في حماية المرأة عار عندناأتعني أن جميع شباب هذه البادية على شاكلتك؟!. - بل وأفضل مني. ما أبهج أن تسعد عينك برؤية أرض غير أرضك وأناس يختلفون عن بني جلدتك.. حيث الشمس تسطع فتغمر كل شبر من هذه الأرض الجرداء.وصلت القافلة إلى مكان التخييم، رفض كل أفرادها أن تمدّ يدها بالمساعدة، تعاون الرجال ولم تمضِ سوى ساعة حتى وجدت نفسها في خيمتها معززة مكرّمة. حياة هؤلاء البدو مدهشة حقاً، كانت في بلادها تسمع حكايات مروّعة عن قسوتهم وشدّة بطشهم، واعتدائهم على غير المسلمين، لكنها لم تجد منهم سوى الأنس والمحبة، حتى النساء عندما أقبلن إليها، توقعت أن تنفر منهن، لكنهن استقبلنها بالأحضان، وبالكلمات اللطاف، أثرن دهشتها، فكل واحدة من هؤلاء الصبايا أحلى من جميلات أوروبا بأسرها، ومع ذلك لم يبرحن يثنين على جمالها ويصفنها بـ»أم اللبن»، ويرفضن أن تمد يديها لشيء، حسبت في البداية أنهن لا يقبلن من غريب أن يشاركهن طهي الطعام، لكنها اكتشفت مبلغ لطفهن حين يعاملن معاملة الأميرات. خرجت من خيمتها وأخذت بالتأمل في الصورة الحية أمامها، ثمّة أرض خلاء وخيام متقاربات، وقطيعاً من الأغنام يبدو في البعيد، ورجال يقفون قرب شيخ القبيلة، وامرأة قرب النار، وأدارت بطرفها إلى اليمين فوجدته هناك الشيخ الشاب المتفجّر قوة ورجولة يبتسم إليها بمودّة. - هل أعجبتك البادية؟- إنها مدهشة، لم أشاهد أجمل من هذا المنظر- ألك رغبة أخرى؟ - أبداً... أنتم أكرم من عرفت- آمل أن تقضي وقتاً ممتعاً معنا - لا شك.. أشعر وكأني سأعيش أجمل أيامي في هذه البادية. أخذ الشاب بيدها، وتنقل وإياها بين مضارب الحي، إن حباً عظيماً يتولّد في قلبها لهذا المكان، فهي تشعر وكأنها قطعة أخذت منه لتعود إليه، ولن تفارقه بعد اليوم أبداً.
الليدي جين.. عشيقة بدوي من الشرق
12 يناير 2013