في النصف الثاني من تسعينات القرن العشرين ظهرت المحاولات الأولى لإنشاء شبكات التواصل الاجتماعي من خلال بعض المواقع الإلكترونية، ولكنها لم تنتشر بالشكل الحالي إلا خلال السنوات العشر الماضية. وبالتالي صارت شبكات التواصل الاجتماعي جزءاً من حياة الأفراد اليوم في مختلف المجتمعات ومن بينها مجتمع البحرين، وتشمل هذه الشبكات مواقع مثل؛ فيسبوك، تويتر، يوتيوب، وغيرها من المواقع الكثيرة التي ساهمت في خلق مجتمع افتراضي على الإنترنت يقوم على التواصل والتفاعل بين الأفراد سرعان ما تطور ليكون مجتمعاً افتراضياً قادراً على تشكيل اتجاهات الأفراد، ويتيح لهم التعبير عن آرائهم في مختلف القضايا. ومما ساعد في هذا التطور انتشار الهواتف الذكية التي صارت تحمل تطبيقات إلكترونية تساهم في استخدام مثل هذه الشبكات. لا يمكن بأي شكل من الأشكال تجاهل تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على المجتمعات، والأفراد على وجه الخصوص. والسؤال المطروح هنا؛ ما دور مثل هذه الشبكات في عملية التنمية السياسية؟عملية التنمية السياسية باعتبارها العملية التي تدفع المجتمع نحو مزيد من التطور السياسي تتطلب مجموعة من الأدوات التي تتيح للناس المشاركة في صنع القرار، والتعبير عن آرائهم ومطالبهم، والدفاع عن مصالحهم، وهذه الأدوات هي التي تساهم في تكوين الوعي السياسي الأكثر نضجاً ورشداً باستمرار.دائماً ما يرتبط الوعي السياسي والثقافة السياسية المشاركة بتفاعل الأفراد مع بعضهم بعضاً في مختلف قضايا المجتمع، على أن يكون هذا الوعي إيجابياً ويدفع الأفراد نحو سلوك فاعل ونشط سياسياً. فعلى سبيل المثال يجب أن يكون الوعي السياسي والثقافة السياسية السائدة في المجتمع دافعاً للأفراد نحو المشاركة السياسية التي تعد أقصى درجاتها المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، وأدناها إبداء الرأي تجاه قضية ما عبر وسائل الإعلام. ولذلك ينبغي الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي في دعم ونشر الثقافة السياسية الناضجة من خلال الحوار البناء وتبادل الآراء الجادة بما يساهم في تعزيز عملية التنمية السياسية التي يشهدها أي مجتمع. المجتمع البحريني كغيره من المجتمعات تفاعل كثيراً مع شبكات التواصل الاجتماعي، وحظيت هذه الشبكات بإقبال لافت من فئة الشباب تحديداً، وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من نصف سكان البحرين يستخدم شبكات التواصل الاجتماعي، وهي بلاشك نسبة مرتفعة إذا ما تمت مقارنتها مع عدد السكان، وتعكس في الوقت نفسه اهتمام الأفراد مواطنين ومقيمين بالتفاعل مع قضايا المجتمع، ولكن هذا التفاعل يجب أن يكون أكثر نضجاً ورشداً ولا يتضمن أي نتائج سلبية على المستوى الفردي أو الجماعي. دستور مملكة البحرين كفل حرية التعبير عن الرأي للجميع، وكذلك بنود ميثاق العمل الوطني، والقوانين الوطنية نظمت حرية التعبير بصورها المتعددة. وعملية التنظيم هذه تعكس مسألة هامة، أن حرية التعبير عن الرأي ليست مطلقة وليست دون حدود. وهذه الحقيقة تنطبق على جميع الحريات باعتبار الحرية لها حدود دائماً، وتنتهي عندما تمس حرية الآخرين. الأمر نفسه ينطبق على شبكات التواصل الاجتماعي التي تتيح الدولة استخداماتها بكل حرية وسهولة، ولكن هذا لا يعني استخدام مثل هذه الشبكات في أنشطة مسيئة للدولة أو مخالفة لقيم وثوابت المجتمع المحلي، أو حتى للإساءة إلى الأفراد والتشهير بهم. بل يجب استخدام هذه الشبكات بشكل لا يخالف الحقوق الدستورية، وبشكل لا يسيء للآخرين ولقيم وثوابت مجتمع البحرين، وكذلك بما لا يخالف قوانين وأنظمة المملكة. معظم دول العالم تتجه اليوم لوضع ضوابط وحدود لاستخدامات شبكات التواصل الاجتماعي للحفاظ على حقوق الأفراد الدستورية، وحقهم في حرية التعبير عن الرأي تحديداً، والهدف من هذا التنظيم حماية حقوق الجميع، وحماية المجتمع من أي استخدامات سلبية أو مسيئة لهذه الشبكات. خاصة وأن هناك مؤشرات لوجود جرائم إلكترونية من خلال هذه الشبكات يجب محاربتها ووقفها ومحاسبتها حسب القانون. وأثبتت التجربة القصيرة لشبكات التواصل الاجتماعي إمكانية استغلالها لاستهداف أمن الدول والمجتمعات، وهو ما ينبغي الانتباه إليه بكل وعي ومسؤولية وطنية. حرية استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لا تعني أنها غير مقيدة مطلقاً، فهي مقيدة بثوابت وقيم المجتمع، واحترام سيادة الدولة ودستورها وقوانينها وأنظمتها. وهي مسألة هامة يجب وضعها في الاعتبار عند استخدام هذه الشبكات، وإن لم يكن هناك تشريع خاص ينظم استخدامات وجرائم شبكات التواصل الاجتماعي. وعليه فإن الوعي بمخاطر وسلبيات وإيجابيات شبكات التواصل الاجتماعي مسؤولية مشتركة تشترك فيها كافة مؤسسات الدولة من حكومة، وسلطة تشريعية، وقادة الرأي، وعلماء الدين، وحتى وسائل الإعلام التقليدية. ومادامت هذه الشبكات تعد أداة جديدة من أدوات التعبير عن الرأي، فإن تشكيل وعي عام ناضج بأهمية ومخاطر وفرص هذه الشبكات يستغرق وقتاً، ويتطلب تضافر كافة الجهود ليكون استخدامها قائماً على المسؤولية الوطنية، وحرص على احترام ثوابت وقيم المجتمع. شبكات التواصل الاجتماعي تعد سلاحاً ذي حدين فيما يتعلق بالتنمية السياسية، فهي تتيح فرصاً واسعة لتبادل الآراء والتعبير عن الرأي بين الأفراد، وبالتالي تكون أداة داعمة للتنمية السياسية. وفي الوقت نفسه يمكن أن تكون أداة مضرة بالتنمية نفسها إذا قامت على الاستخدام غير المسؤول دون ضوابط ودون قيود، والفرد في النهاية هو من يقرر كيفية التعامل مع هذه الأداة لممارسة حريته في التعبير عن الرأي. infobipd.gov.bh