أطلقت الدعوة لاستكمال الحوار الوطني في القضايا العالقة بالمحور السياسي، فما هي الدلالات والمغزى؟حوار التوافق الوطني أطلق في صيف 2011 بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها المملكة في ذلك العام، وأقيم الحوار على مجموعة من المبادئ الهامة تقوم على المشاركة الجماعية الفاعلة والإيجابية لكافة مكونات المجتمع دون إقصاء أو تهميش لأي طرف من هذه المكونات. بالإضافة إلى إتاحة المجال لكافة المكونات لطرح مرئياتها وتصوراتها بشأن القضايا المطلوبة في الحوار نفسه، وهو ما دفع جميع الأطراف المشاركة في الحوار من شخصيات مستقلة أو مسؤولين حكوميين أو برلمانيين وممثلي مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية ورجال الإعلام والدين إلى طرح أفكارهم لتحديد قائمة أجندة الحوار نفسه. أيضاً راعى المشاركون في الحوار التفاعل مع الأجندة المطروحة بما يتوافق مع الثوابت الوطنية الواردة في دستور المملكة وميثاق العمل الوطني. في الحوار نفسه أطلقت عدة محاور شملت القضايا السياسية والحقوقية والاجتماعية وكذلك الاقتصادية، وفي كل محور طرحت العشرات من القضايا عبر المرئيات التي قدمت بشأنها، معظمها تم التوافق عليها من قبل المشاركين، وهناك أيضاً عدد من المرئيات لم يتم التوافق عليها بسبب اختلاف الآراء ووجهات النظر بشأنها. بعد انتهاء حوار التوافق الوطني رفعت جميع المرئيات المتوافق عليها إلى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى باعتباره راعي الحوار نفسه، حيث وجه جلالته إلى تشكيل لجنة مختصة للإشراف على تنفيذ المرئيات المتوافق عليها. جميع المرئيات تم تحويلها إلى مقترحات لسياسات أو قرارات حكومية، وبعضها تطلب إصدار حزمة من التشريعات والأنظمة الجديدة أو حتى التعديل على التشريعات والأنظمة القائمة منها. ولكن الأهم منها هو اقتراح مجموعة من التعديلات الدستورية التي تبنتها السلطة التشريعية وعملت على تنفيذها ومن ثم إقرارها، ورفعها إلى العاهل للتصديق عليها، وتعد هذه التعديلات الدستورية الثانية التي تشهدها مملكة البحرين منذ الاستقلال العام 1971.هذا ما حدث خلال حوار التوافق الوطني الأخير، ومن المهم معرفة هذه المقدمة قبل الحديث عن استكمال الحوار الوطني. ففي أي مجتمع يمكن مواجهة المشاكل والتحديات أو تحديث المجتمع عبر أساليب عديدة، ومنها إصدار التشريعات والقوانين، أو مناقشة القضايا العامة تحت قبة السلطة التشريعية (البرلمان)، ومن بينها أيضاً الحوار باعتباره أداة سياسية لمعالجة المشاكل والتحديات أو تطوير التجربة. وبالتالي فإن الحوار الوطني يعد أداة ليس لمعالجة المشاكل والتحديات فحسب، وإنما يمثل أداة لتطوير التجربة السياسية التي يمكن أن يشهدها مجتمع ما. والبحرين مازالت تشهد تجربة التحول الديمقراطي منذ نحو أكثر من عقد من الزمن بعد التوافق التاريخي على ميثاق العمل الوطني فبراير 2001. وتجربة التحول الديمقراطي لا يمكن أن تتطور إلا إذا تطورت معها الممارسات والأدوات داخل النظام السياسي البحريني، وهي عملية تتزامن أيضاً مع تطور الثقافة السياسية في المجتمع. ما يميّز تجربة البحرين السياسية ارتباطها دائماً بالحوار السياسي، فمشروع ميثاق العمل الوطني تم إعداده ومناقشته والتوافق عليه داخل لجنة ضمت كافة مكونات المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني نهاية العام 2000 واستمرت حتى مطلع العام 2001، وانتقل الحوار لاحقاً إلى السلطة التشريعية التي تضم أيضاً التنوع الذي يتميز به المجتمع المحلي. وحتى عندما تقرر إطلاق حوار التوافق الوطني العام 2011 كانت السلطة التشريعية هي الطرف الأساس في العملية لأنها الجهة التي أشرفت على إدارة وتنظيم الحوار بكافة تفاصيله. لذلك فإن استكمال حوار التوافق الوطني في المحور السياسي فقط، لا يعني عدم تحقيق إنجازات فيه، بل بالعكس، هو فرصة أخرى جديدة لتطوير التجربة السياسية في ضوء ما تم التوافق عليه في الحوار الأخير من إنجازات ومكتسبات. وإعادة مناقشة ما تم الاختلاف عليه، وهي فرصة ثانية لكافة مكونات المجتمع لتقييم مرئياتها، وتنظيمها بشكل مختلف عن المرة الفائتة لضمان تحقيق أقصى درجات التوافق عندما يبدأ استكمال الحوار لاحقاً، بحيث تسهم هذه الفرصة في تطوير تجربة التحول الديمقراطي في ظل المشروع الإصلاحي لعاهل البلاد. الحوار مسؤولية وطنية للمشاركين فيه، وأيضاً لغير المشاركين فيه. فهي مسؤولية بالدرجة الأولى للمشاركين فيه لأنهم يمثلون بشكل أو بآخر مكونات المجتمع، وما سيطرحونه ويقدمونه أثناء استكمال الحوار يجب أن يحقق تطلعات المواطنين ورؤاهم نحو مستقبل أفضل وإن اختلفت الآراء وتعددت. كذلك الحوار مسؤولية وطنية لغير المشاركين فيه لأن عليهم مهمة المتابعة والدعم الإيجابي للحوار نفسه، فما سيتمخض عن الحوار يمس حياتهم اليومية، وكذلك مستقبل وطنهم، وبالتالي هم طرف أساس في عملية الحوار، ومن حقهم التعبير عن وجهات نظرهم بمختلف الوسائل المشروعة قانوناً في المسائل التي يمكن أن تطرح في الحوار.ما ميّز حوار التوافق الوطني أن سقفه كبير في طرح المرئيات وكذلك الآراء وسبب ذلك أن حرية التعبير حق مكفول دستورياً وينظمه القانون في المملكة. وعكست النقاشات حرية منضبطة ومسؤولة وفقاً للثوابت الوطنية المتوافق عليها مجتمعياً، وهي مسألة مهمة يجب التمسك بها خلال استكمال الحوار المقبل.infobipd.gov.bh