كتب ـ وليد صبري:الدوبامين أهم ناقل إشارة في المخ، ومهما تعددت أصناف الإدمان واختلفت أشكاله وأساليب تفاعله مع الأعصاب، فالأمر ينتهي بزيادة نشاط الدوبامين في مراكز الكفاءة بالدماغ.والدوبامين مادة كيميائية تتفاعل بالدماغ وتؤثر على الأحاسيس والسلوكيات بما فيها الانتباه والتوجيه وتحريك الجسم، ويؤدي دوراً رئيساً في الإحساس بالمتعة والسعادة، ويشكل أحد المجموعات الكيميائية لـ»النواقل العصبية» حاملة المعلومات من خلية عصبية لأخرى.ويقول أخصائي الأمراض النفسية د.شريف خيال، إن «تحكم الخلايا العصبية في تصنيع الدوبامين وتخزينه وإفرازه والتحكم بمصيره ومستقبلاته، يمثل درجة عالية من الأهمية خاصة فيما يتعلق بالحالة النفسية للإنسان»، موضحاً أن «سلامة إنتاج الناقلات وحدها لا تعني شيئاً ما لم تكن مستقبلاتها بحالة جيدة وتتفاعل معها بكفاءة».ويضيف «من هنا جاء الاهتمام بالبحث عن صحة المستقبلات وكفاءتها، وحتى الآن تم التعرف على 5 أنواع مختلفة منها، وتعتمد تأثيراته على الكمية والمكان الذي تُطلق فيه وأنواع المستقبلات المنشَطة».وينبه إلى أن «مستويات الدوبامين في الدماغ تكون عالية في مراحل الطفولة الأولى، وتنخفض بمرور الزمن وتقدم الحياة، ويتسبب الزيادة أو الانخفاض الكبيرين في الدوبامين بالإصابة بكثير من الأمراض البدنية والعقلية». ويضرب مثلاً «ترفع أدوية الإدمان مستويات الدوبامين في الدماغ، ما يؤدي إلى تغيرات طويلة الأجل أو دائمة في خلايا الدماغ، وتسبب مستوياته غير العادية بعض أمراض الحركة مثل الشلل الرعاش أو «باركنسون»، بينما يؤدي اختلال مستوى الدوبامين دوراً كبيراً في انفصام الشخصية «الشيزوفرينيا» والاكتئاب وقصور الانتباه ومتلازمة توريت».ويبين أن «علاقة الوراثة والجينات والدوبامين بالإدمان خاصة الكحوليات بدأت عام 1952، عندما لاحظ أحد الباحثين أن لدى بعض فئران التجربة ميلاً طبيعياً نحو شرب المياه المضاف إليها الكحول، وعند انتقاء الفئران وعزلهــــــا وتربيتها ثم أخذ سلالتها وانتقاء ذوات الميــــــول الكحـــولية منها، وبتكرار التجربة عدة مرات توصل الباحثون إلى سلالة خالصة من الفئرات تفضل شرب الكحول على المياه النقية».وظل الموضوع حبيس معامل البحوث والفئران حتى عام 1972، عندما أجريت بعض الدراسات الميدانية على أبناء المدمنين، وأشارت إلى زيادة الميول الكحولية لدى هؤلاء الأطفال حتى من تم تبنيهم بواسطة عائلات لا تقرب الكحول أي بعيداً عن المؤثرات الاجتماعية.وفي عام 1990 تم تحديد خلل ما بأحد الجينات المسؤولة عن تصنيع أحد أنواع مستقبلات الدوبامين «D2»، ومع زيادة البحوث ثبت أن هذا النوع من الخلل الجيني مرتبط لحد بعيد بإدمانات أخرى متعددة وليس مرتبطاً فقط بالكحول.ويلفت خيال النظر إلى وجود هذا الخلل لدى أشخاص غير مدمنين، ما يؤكد أن وجود الخلل يشكل عنصراً قوياً في تكوين الشخصية والميول الإدمانية، دون أن يكون المسبب الوحيد للظاهرة. وأظهرت نتائج البحوث الحديثة أن الخلل في الجين المذكور موجود لدى 25% من عامة الناس، ويسود الاعتقاد أنه للاكتشاف أهمية فائقة في اختيار أنسب السبل وأكثرها فعالية لتقويم الميول الإدمانية.