شهدت العلاقات البحرينية ـ الأردنية خلال الشهور القليلة الماضية نمواً مطرداً في حجم الزيارات المتبادلة التي قام بها كبار مسؤولي البلدين وتكللت هذه الزيارات بالقمة التي جمعت العاهلين في قصر الصخير يوم 29 يناير الحالي، وبحثا خلالها السبل الكفيلة بتطوير العلاقات فضلاً عن القضايا المشتركة، خاصة أن حجم الاستثمارات البحرينية العاملة في الأردن يصل إلى نحو 2,2 مليار دولار منها استثمارات بيت التمويل الخليجى التى تقدر بحوالى مليار ونصف المليار دولار وشركة «بتلكو» بحوالى 400 مليون دولار.وتُشير توقعات مشجعة بنمو حجم التبادل التجاري بين البلدين، والتي أشار إليها مسؤولون كبار، والمعروف أن قيمة هذا التبادل زادت إلى نحو 28 مليون دينار بحريني عام 2011 وكانت حوالي 24 مليون عام 2010، مستندين في ذلك إلى أن التفاهمات المشتركة فضلاً عن الزيارات واللقاءات المتعددة ستقود حتماً إلى مزيد من التكامل الاقتصادي بين البلدين.علماً بأن هناك نحو 850 طالباً بحرينياً يدرسون في الجامعات الأردنية العامة والخاصة وبرامج الدراسات العليا علاوة على الخبرات الأردنية المنتشرة في الكثير من القطاعات.وجاءت زيارة العاهل الأردني ولقاءه بأخيه صاحب الجلالة ملك مملكة البحرين في وقت تواجه فيه المنطقة تحديات داخلية وإقليمية عديدة، وهو ما استدعى في الحقيقة زيادة وتيرة الزيارات المتبادلة واللقاءات المستمرة لتفعيل عملية التشاور الثنائي حول الملفات محل الاهتمام المشترك، سيما منها الاقتصادية والسياسية والأمنية.وقد لا يكون خافياً على أي مراقب نتائج اللقاءات الأخيرة التي أجراها مسؤولو البلدين منذ مطلع هذا الشهر، وسبقت لقاء العاهلين أمس، وعكست في الحقيقة رغبة وإصراراً على التكاتف البحريني ـ الأردني للتصدي لمستقبل إقليمي حافل بالتوترات، وكشفت، أي هذه اللقاءات، عزم قادة البلدين على تفعيل كل الآليات الممكنة لحماية وتعزيز الروابط التاريخية التي تجمع البلدين في المجالات كافة.تجدر الإشارة إلى أن لقاء العاهلين الكبيرين سبقه عدة لقاءات مهمة أخرى، كان من بينها زيارة ولي العهد سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة للعاصمة الأردنية، والتي التقى خلالها جلالة الملك عبد الله الثاني منتصف هذا الشهر .وربما جاءت هذه اللقاءات، وغيرها، لتؤكد استمرارية عملية التواصل البحرينية ـ الأردنية، تلك العملية التي يمكن تلمس بعض ملامحها عند متابعة فعاليات المباحثات الأخيرة التي أجراها العاهلان بالأمس، وبدا أنها حظيت برعاية كبيرة من قبل القائدين الكبيرين.دفع العلاقات الثنائية لآفاق أرحبولعل من أهم المؤشرات الدالة على هذا الاهتمام الذي توليه القيادتان، ورسخت من دور مثل هذه اللقاءات المستمرة التي لم تتوقف في تعزيز مسيرة العمل الثنائي البحريني ـ الأردني، أنها تأتي، هي الأخرى، بعد مرور عدة أشهر من الزيارة التي قام بها العاهل المفدى للعاصمة الأردنية عمان في أغسطس من العام الماضي، واستأثرت باهتمام المراقبين، إضافة إلى كبريات الصحف ووسائل الإعلام في كلا الدولتين.وعموماً، فإن المتابع لمجمل هذه الزيارات، وما أسفرت عنه من مباحثات أُجريت خلالها، يلحظ أنها تمت في فترة قصيرة نسبياً، كما إن المدقق في توقيتات هذه الاتصالات واللقاءات، والظروف التي انعقدت فيها الزيارات، سيما تلك الأخيرة، يستطيع أن يستخلص عدة دلالات، منها:1 ـ إصرار الزعيمين على دفع العلاقات الثنائية إلى آفاق أرحب من التطور والتعاون تتجاوز ما هو معروف في مثل هذه المناسبات كدعم العلاقات الأخوية بين البلدين وجهود قيادة البلدين في زيادة قوتها ورسوخها وتشابك منظومتها التي تشمل كل القطاعات الرسمية والأهلية.ويلاحظ هنا أن كثافة الاتصالات الأخيرة، وحجم وطبيعة الملفات التي طُرحت خلالها على طاولة البحث، علاوة على النتائج التي أفرزتها على صعيد التفاهمات والتنسيق المشترك، تُسهم جميعها في توسيع مجالات التعاون، وفي تنمية أسس العلاقات الثنائية، وإبراز الدور الذي يمكن أن تلعبه اللقاءات المستمرة في ترسيخ دعائم ووشائج الصلة والقربى بين البلدين، ومن ثم إمكانية تأطيرها بشكل أكثر تنظيماً وفاعلية لصالح إيجاد أوجه تنسيق أخرى ومظاهر تعاون جديدة لما فيه خير البلدين الشقيقين في المستقبل المنظور.2 ـ دعم الدولتين كل منهما للأخرى، خاصة بشأن مسارات التطور السياسي وعمليات الإصلاح الداخلي المستمرة، وكانت الأردن قد عبرت مراراً وتكراراً عن مساندتها الثابتة للبحرين، وكذلك فعلت المملكة عندما رحبت بطلب انضمام الأردن إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، معتبرة ذلك بمثابة رافد جديد لدعم قوة واستقرار البلدين.وتبدو أهمية هذا الأمر بالنظر لعدة اعتبارات:الأول: التقارب القيمي في منظومة العمل السياسي التي تتبناها الدولتان، فإضافة للعلاقات التاريخية الوطيدة وأواصر التعاون المشترك، فإن هناك نهجا قوامه الانفتاح والشفافية والمشاركة والحوار يعتمده البلدان في خطهما السياسي، وهو ما مكنهما من التجاوب السليم مع معطيات الساحة الإقليمية.الثاني: التطورات الداخلية الحاصلة في البلدين سواء على صعيد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي شهدتها الأردن والدعوة الملكية البحرينية لاستئناف الحوار الوطني، حيث يلاحظ هنا أن العاهل المفدى هنأ أخاه العاهل الأردني بمناسبة نجاح هذه الانتخابات، وكانت عمّان قد أشادت من جانبها بالدعوة للحوار وحثت الأطراف كافة على الالتزام بها والتجاوب معها.الثالث: المستجدات اليومية التي تشهدها دول المنطقة على الصعيد السياسي أيضاً، وربما تمس بعض الدول المجاورة في حال امتداد خطرها، خاصة أن عمليات التطور الأخيرة في دول كالعراق واليمن ومصر وغيرها تستدعي التحسب لها والاحتراز من أي تداعيات يمكن أن تنتج عنها وقد تطول الدول القريبة التي تنعم باستقرار تُحسد عليه.3 ـ حرص قادة البلدين على تعزيز رؤية واحدة وموقف مشترك من التطورات والمستجدات الحاصلة على الساحة، حيث إن تبادل العاهلين لوجهات النظر بشأن القضايا محل الاهتمام، سيما منها ما يتعلق بالموقف في سوريا والقضية الفلسطينية والتعاون الخليجي ـ الأردني وغير ذلك، يعكس توجهاً أصيلاً في السلوك السياسي الخارجي لكلتا الدولتين، وهو ما يُعبَر عنه في حجم التفاهمات التي تتبناها الدولتان تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية.جدير بالذكر أن هذا الحرص على تبني مواقف مشتركة إزاء القضايا المختلفة والتوافق بشأنها، إضافة إلى أنه يدعم مسيرة التعاون العربي ـ العربي، حيث تباحث العاهلان نتائج القمة الاقتصادية العربية الأخيرة، ويسهم في تعزيز التضامن الإسلامي ـ الإسلامي بالنظر لدعم العاهلين لقمة التضامن الإسلامي الاستثنائية، فإنه يعزز بجانب كل ذلك من مسيرة التضامن الخليجي ـ الأردني على اعتبار أن الأردن هي أكثر الدول العربية قرباً وتشابهاً من الناحية الحضارية من البحرين ومنظومة العمل الخليجي المشترك. نمو حجم التبادل التجاريويبدو أن هذه الدلالات لها دورها الملحوظ في الارتقاء بمسار التعاون الاقتصادي البحريني ـ الأردني، حيث يلحظ المراقب أن رؤية البلدين في التعاون لا تستند فحسب إلى التقارب القيمي والدعم المشترك، مثلما تبين، وإنما تشمل أيضاً بجانب كل ما سبق المصالح الاقتصادية المشتركة، والتي يُنظر لها من كلا الجانبين البحريني والأردني باعتبارها قاطرة التعاون الثنائي المشترك.تجدر الإشارة إلى أن الاتصالات واللقاءات التشاورية المالية والتجارية والاقتصادية عموماً بين البحرين والأردن تتواصل هي الأخرى مثلها في ذلك مثل اللقاءات السياسية، حيث زار المستشار العمالي للسفارة الأردنية بيت التجار في المملكة في أكتوبر الماضي، وفي نوفمبر التأم مجلس الأعمال المشترك البحريني ـ الأردني، وبدا من خلال مثل هذه الاجتماعات عدة أمور تؤكد ما ذهبنا إليه بشأن إيلاء قادة البلدين لمسار التعاون الاقتصادي أهمية قصوى كإطار لدعم التكامل المشترك، وذلك كالتالي:1 ـ فرص التعاون الاقتصادي الواسعة بين البلدين على اعتبار أن البحرين تمثل بوابة الدخول لدول المنطقة في حين أن الأردن تمثل بموقعها نقطة ارتكاز للوصول للشمال الإفريقي من جهة وللجنوب الأوروبي من جهة أخرى، والمعروف أن حجم الاستثمارات البحرينية العاملة في الأردن يبلغ نحو 2,2 مليار دولار منها استثمارات بيت التمويل الخليجى التى تقدر بحوالى مليار ونصف المليار دولار وشركة بتلكو بحوالى 400 مليون دولار.2 ـ الإمكانات التي تتوفر لكلتا الدولتين والتي بمقدورها فتح آفاق واسعة لتنمية أواصر التعاون الاقتصادي المشترك، حيث تبادل الزيارات والخبرات وبرامج الطلاب والخبرات والكوادر، فضلاً عن الآليات المتواجدة والمتفق عليها في الصحة والتعليم وكاللجنة العليا المشتركة التي تنعقد بشكل نصف سنوي وما إلى ذلك، مع العلم بأن هناك نحو 850 طالباً بحرينياً يدرسون في الجامعات الأردنية العامة والخاصة وبرامج الدراسات العليا علاوة على الخبرات الأردنية المنتشرة في الكثير من القطاعات.3 ـ التوقعات المشجعة بنمو حجم التبادل التجاري بين البلدين، والتي أشار إليها مسؤولون كبار، والمعروف أن قيمة هذا التبادل زادت إلى نحو 28 مليون دينار بحريني عام 2011 وكانت حوالي 24 مليون عام 2010، مستندين في ذلك إلى أن التفاهمات المشتركة فضلاً عن الزيارات واللقاءات المتعددة ستقود حتماً إلى مزيد من التكامل الاقتصادي بين البلدين.