كتب ـ علي الشرقاوي: أغلب القراءات النقدية الجديدة القوية والضاجة بالحياة والمغايرة لما قبلها، هي القراءات التي دمجت الواقع بالمتخيل والذات بالموضوع، وأبعدت المؤلف إلى مرحلة الموت أو قتله إن جاز التعبير.هذه القراءات سميت لاحقاً بـ”ما بعد الحداثة”، وكلها خرجت من الفلسفات المحركة للمجتمع، وبالذات الحركات التي حدثت عام 1968، وكان معظم زعمائها أبناء الثورة الطلابية أو المشاركين فيها.وتأتي دراسة د.خليفة بن عربي، لتصب في مناقشة الدرس النقدي، مستفيدة مما سبقها من الدروس النقدية، محاولة أن يكون لها تقسيمها الخاص، بدءاً من الاتجاه الاجتماعي، مروراً على الاتجاه الفني والبنيوي وصولاً إلى الاتجاه الإسلامي.وفي كتابه "الاتجاهات النقدية في الشعر الخليجي المعاصر”، يرى الباحث أن الممارسة النقدية في الوقت الراهن لم تعد مجرد تفسير وشرح للنصوص الأدبية، تعتمد على بيان مواطن التميز عند المبدع وتحديد مفاصل إبداعه لفظاً وصورة وتركيباً وبناءً، أو تقتصر على الجوانب الأسلوبية والقيم الجمالية.ويقول إن القيم الجمالية تمددت وتوسعت بشكل كبير وتداخلت مع فلسفات وأفكار كثيرة لتصل إلى حد تجزيء النص وكشف مرجعياته الفلسفية والأسطورية وتفتيت مكوناته ورموزه اللغوية والفكرية، في ظل شيوع المناهج والتيارات النقدية الحديثة التي غدت واقعاً احتذاه أغلب النقاد العرب المحدثين، على أساس وضع النقد الأدبي في أطر وقوانين تحكم العملية النقدية وتنأى بها عن عموميات وانطباعات لا تقدم قيماً نقدية حقيقية.بن عربي في دراسته الجديدة والمغايرة يطرح رؤيته الخاصة بشكل لم يسبقه إليه أحد في الخليج العربي، قرأ كل ما وصلت إليه يداه، دخل في عوالم د.علوي الهاشمي ومحمد البنكي ومحمد إبراهيم الدبيسي ومنذر عياشي ومحمد مندور وغيرهم، ووصل إلى النتائج الخاصة به وحده. ويشير بن عربي إلى أن النقاد اعتمدوا على هذه المناهج حتى أصبحت سمة النقد المعاصر، وبات من المعيب على الناقد ـ وهو يتعامل مع النصوص الأدبية ـ ألا يسير وفق منهج محدد يؤصل من خلال رؤاه وقراءاته، وإلا أصبح نقده مجرد انطباعات وتأثرات وصفية لا تخدم المتلقي والمبدع على حد سواء.والهدف الأساس وراء التوغل بقراءة المنجز النقدي الخليجي، يرى بن عربي أنه محاولة لكشف كيفية تناول النقاد الشعر الخليجي الحديث في ضوء الاتجاهات النقدية، وماهية اتجاهات شكلت رؤاهم النقدية، ومدى ترسمهم الأطر العامة المكونة لها.وينظر المؤلف إلى أن الشعر الخليجي الحديث استطاع أن يوجد لنفسه موقعاً مميزاً في المشهد الشعري العربي، متسوقاً بشكل لافت مع موجات التحديث والتطور المصاحبة للشعر العربي الحديث، خاصة في مرحلة ما بعد الانتداب البريطاني في بداية سبعينات القرن العشرين لما تحررت شعوب الخليج العربي من قيود المحتل ووصايته.ويضيف أن هذا المحيط أثمر النبوغ الشعري لشعراء الخليج العربي، وما لبثت أن برزت الدراسات النقدية العديدة والمتنوعة لشعرهم بوصفها ظاهرة طبيعية تتلو الأعمال الأدبية والإبداعية، وتناول كثير من النقاد العرب وما يزالون الشعر الخليجي باعتباره جزءاً لا يتجزأ من نسيج الشعر العربي الحديث، فوقفوا على التجارب المنتجة لذلك الكم الهائل من التجارب الشعرية الحديثة لشعراء الخليج. ويقول "سعت هذه الدول لبناء ذاتها سياسياً وفكرياً، وساعد على ذلك انفتاح وتوسع اقتصادي حظيت به المنطقة بعد اكتشاف النفط، فبرز إثر ذلك مجموعة شعراء يصنفون ضمن كبار الشعراء في الوطن العربي والعالم”.ويعتقد بن عربي أن أهمية هذه الدراسات تكمن في أنها قدمت تحليلاً وفحصاً معرفياً لطبيعة الشعر الخليجي ومذاهبه وطرائق إنتاجه، إلا أن هذه الدراسات نفسها تحتاج إلى أن يلم شعثها، لتصنف وتدرس وتبرز جوانب تميزها، خاصة أنها تعد أوضح تعبير عن المستوى الفكري والثقافي الذي وصله الشعر الخليجي.
بن عربي يقرأ الشعر الخليجي من زاوية مختلفة
02 فبراير 2013