طيلة العقود الماضية، وفي ظل ظروف قاسية شهدتها بلداننا العربية، كانت المرأة حاضرة هناك على الدوام، تقف بثباتٍ وإصرار في ساحات المواجهة ضد الاستعمار.كان الهدف واضحاً والعزم واحداً على نيل الاستقلال وتحقيق السيادة على مقدرات الأرض والوطن، لم يثنها عن ذلك كونها امرأة، ولم تقف ولو لوهلة لتفكر لأي حزب تنتمي، أو لأي ولاء تبطن، وأي مدرسةٍ فكرية أو أيدولوجية تتبع، بل تحرير الوطن هو الهدف الماثل أمام عينيها.هذا الهدف جعلها تتسامى عن كل الاختلافات وتترك جانباً كل الانتماءات سوى الانتماء للوطن وحده، فاجتهدت وناضلت من أجل تحريره من براثن الاستعمار. وقد كان لها ذلك، فنجحت كمواطنة في تحقيق أمل شعبها.واليوم بعد أن عصفت بنا رياح التغيير وتنادت الشعوب مطالبة بالإصلاح والتحول الديمقراطي، كانت المرأة أيضاً هناك في ساحات التغيير جنباً إلى جنب مع كافة فئات الشعب، حيث ذابت كل الفروقات الجنسية والدينية والاجتماعية والأيدولوجية بين المطالبين بالتغيير، وأضحت تجمعات «وطنية» لكافة فئات المجتمع، وشاطرت المرأة الهدف نفسه مع غيرها من النساء بمختلف أطيافهن وانتماءاتهن الحزبية ومستوياتهن الثقافية والاجتماعية، كانت بحق صورة ناصعة للمرأة العربية عكست إرادتها وتصميمها على المشاركة الفعالة.فما أن استقرت الأحوال نسبياً، وتحققت بعض المطالب، عادت الخلافات والاصطفافات الحزبية من جديد، وكانت النساء من أشد الفئات تأثراً بذلك نتيجة التجاذبات والانشقاقات بين صفوف الكثير من المنظمات النسائية، إذ أصبحت كل مجموعة أو منظمة تلوذ بالحزب الذي تنضوي تحته وتمتثل لتوجهاته ورؤاه ولو كانت تلك التوجهات ضدها وإضاعة لمكتسباتها.وهنا لا بد لنا من وقفةٍ جادة تجاه ما يحدث من انشقاقات واختلافات، أصبحت فيها قضايا المرأة وحقوقها ضحيتها الأولى، ويتعين على المنظمات النسائية أن تتولى زمام هذا الأمر وتأخذ بناصية المبادرة وقيادة العمل النسائي للتعاون البناء ونبذ الخلافات التي تفت من عضد العمل الجماعي المشترك. وأول ما نحتاجه هو تعزيز العلاقات والتواصل والتنسيق بين الحركات النسائية في العالم العربي بجميع تلاوينها وأطيافها، وتجسير الفجوة فيما بينها خاصة في المساحات التي نختلف فيها في آرائنا وتوجهاتنا، ويمكن لقيم التسامح الفكري والتدافع «بالتي هي أحسن» أن تلعب دوراً كبيراً في إنجاح هذه الخطوة. إن في توحد غاياتنا وعملنا المشترك أكبر الأثر في تحقيق أهدافنا ونيل حقوقنا، ولتفعيل هذا التعاون يمكننا الدعوة لعقد حوارات بين مجاميع النساء باختلاف انتماءاتهن وتوجهاتهن لتأسيس علاقة جديدة لا يشوبها الشك أو التنافس المشتت للطاقات، وإنما القبول والاحترام والتفهم والتعاون العميق. ولزيادة فرص نجاح هذه الخطوة يمكننا البدء بالقضايا المشتركة التي تتوافق عليها جميع الأطراف، فتكون هي «كلمة السواء» الجامعة لنا ولجهودنا، مع مراعاة احترام كل وجهات النظر المطروحة، وعدم التعصب للرأي، وتجنب الخطاب المنفعل أو إلقاء اللوم والتهم على الطرف الآخر، وبذل الجهد ما أمكن لتعظيم الجوامع وتقليل الفوارق ليكون توحيد الجهود والشراكات الناجحة هو الهدف الأساس.إن تاريخ المرأة العربية العريق يشهد بالإنجازات الرائعة التي حققتها رغم التحديات الجسيمة التي تجاوزتها بكل جدارة، بفضل إيمانها بقضيتها، وإرادتها القوية لاسترداد حقوقها، وهذا ما يجعلنا متفائلين وواثقين بقدرتها على مواجهة ما تشهده الساحة العربية اليوم من تجاذبات سياسية واصطفافات حزبية وطائفية، ورفض إقحامها في أتون تلك الصراعات. وهذا ما يجب أن نحسمه نحن النساء، وبشكلٍ عاجل في هذا الظرف العصيب، فهل نستجيب لتلك الدعوات المفرقة لجهودنا، والمفسدة لعلاقاتنا؟ أم نتداعى لنداء واجبنا والمساهمة في نهضة وبناء أوطاننا؟ وتكون «كلمة السواء» هي سفينتنا التي نلوذ بها لترسو بنا في ميناء السلام. جمعية البحرين النسائية
الكلمة السواء
05 فبراير 2013