كتب - عبدالرحمن محمد أمين:عبدالله بوزبون من أبناء فريق البنعلي بالمحرق، ملك صناعة السفن الخشبية الصغيرة منها والكبيرة، قضى طفولته في فرجان المحرق متنقلاً من بيت لبيت وفي صناعة السفن سكنت موهبته. يقول عبدالله إن وزارة الثقافة أعادت إحياء عمارة بوزبون بالمحرق وحولتها إلى جزء من تراث البحرين وتاريخها العريق، ويتمنى أن تحظى بقية العمارات التاريخية باهتمام مماثل.ويأمل بوزبون أن تهتم الجهات المعنية بالسفن القديمة المتبقية في البحرين باعتبارها جزءاً من مفردات حياة البحرينيين «الكويتيون والقطريون دأبوا على شراء سفن الصيد القديمة في البحرين وعرضوها بمتاحفهم.. والأولى أن تحتفظ البحرين بما لديها من مفردات هذا التراث».مرابع الطفولةعبدالله بوزبون من أبناء فريق البنعلي بالمحرق تمت ولادته على يد القابلة «أم جان» عام 1957، قضى أيام طفولته الأولى بين فرجان المحرق وطرقاتها يتنقل مع أطفال الحي من بيت لبيت من غير منع أو طرد.في عام 1964 التحق بمدرسة المثنى بن حارثة عندما كان مديرها خليفة سلطان، ومن المدرسين الراحل علي عباس العمادي والراحل عبدالله أحمد بوعسلي وخيري جوهر وعبدالله الماجد «بعدها انتقلت إلى مدرسة طارق بن زياد الإعدادية وكان مديرها الأستاذ الراحل عمر بن عبدالرحمن آل خليفة، وبعد سنة من الدراسة تم تعيين محمد إبراهيم العمال مديراً، وأذكر من المدرسين الراحل أحمد بوهيال ومحمد علي الجودر».يتذكر بوزبون تلك السنوات بمزيج من الغبطة للأيام الخوالي «في نهاية المطاف انتقلت إلى مدرسة الهداية الخليفية حيث تناوب على إدارتها أثناء دراستي الأستاذ إبراهيم الخثلان وبعده محمد العيد ومن الزملاء الطلبة كان معي عيسى بوخماس وعيسى محمد عيسى حبيب وعبدالعزيز عبدالكريم».في عام 1975 أنهى المرحلة الدراسية بحصوله على شهادة الثانوية العامة «عملت بعدها مباشرة في عمارة جدي الراحل خليل إسماعيل بوزبون المفتتحة عام 1940، وكان والدي محمد خليل بوزبون يعمل مع جدي مساعداً ومعاوناً، وشاءت الأقدار أن ينتقل والدي إلى جوار ربه وكان عمره 35 سنة عام 1960، ما حتم علي أداء مهام الوالد في مساعدة جدي، حتى توفاه الله عام 1989، فكان علينا أنا وأخواي جاسم وإسماعيل مواصلة العمل في العمارة تخليداً لذكرى والدي وجدي».وبالنظر لرواج وازدهار تجارة بيع مواد صناعة سفن الصيد حينها يقول بوزبون «كنا نستورد البضائع من إيطاليا وماليزيا، وفي عام 1988 بدأت في توسعة أعمالي التجارية بتأسيس محلات عبدالله بوزبون لبيع الزجاج والمرايا بجميع الأشكال والألوان، وللوعي وحبي للتراث عملت على جلب ما تحتاجه السفن أثناء صناعتها مثل الصل والفتيل والودج والدامر والمسامير».صناعة السفنإلى جانب حرفة صنع السفن الخشبية الصغيرة والصناديق المبيتة وسجاد الخوص بأنواعها، استخرج عبدالله سجلاً تجارياً «لأجل مواصلة درب الآباء والأجداد وممارسة صناعة السفن الصغيرة واستيرادها، والتي تستخدم للهدايا والعرض في صالات ومجالس البيوت، وإحياء ذكرى استخدام أمهاتنا وآبائنا لبعض الأشياء كما يطلق عليها السفرة، المصنوعة من خوص النخيل مع إضافة ألوان عليها تزيدها جمالاً وروعة، كما يتوفر لدي «الكبه» وهو إناء عميق نوعاً ما وعليه غطاء يصنع من الخوص أيضاً ويلون بألوان مختلفة».يحصل عبدالله على هذه الأشياء بالاتفاق مع بعض الأسر المنتجة من قرية كرانة وغيرها «في الفترة الأخيرة أدخلت ضمن تجارتي توفير أدوات الطرب الشعبية المستخدمة سابقاً، نزولاً عند رغبة الزبائن خاصة الطبول ومنها المنجب، وهو إناء يأكل فيه البحارة ويستخدم أحياناً بعد تغطيته بجلود الحيوانات كأداة للطرب، والبعض يستخدمه كتحفة لوضع العطورات، أما اللنجات الصغيرة فأنا أستوردها حالياً من الخارج لزيادة الطلب عليها، حيث إن عملها في البحرين يستغرق وقتاً طويلاً ما يجعلني عاجزاً عن تحقيق الطلب المتزايد عليها من الزبائن».هذه السفن تصنع من خشب «الصاي» أما الصناديق المبيتة فتصنع من خشب «السيام» غالي الثمن «أسعار السفن تبدأ من 6 دنانير ويرتفع سعرها حسب المقاس والطلب».وحول المواد المستخدمة في صناعة سفن الصيد الكبيرة «أوفر الصل والوكد والهج والمسامير بأنواعها والفتيل وهو مادة تخلط مع خل السمسم وتستخدم لسد الفتحات في جسم السفينة، أما مادتي الوكد والهج فيتم خلطها وتوضع أسفل السفينة ولونها أبيض، أما الدامر فيستخرج من غراء الأشجار ويستورد من اليابان، حيث يصهر بالنار ويخلط مع الصل لدهن جسم السفينة، أما مادة المغر المستخدمة في قياس جسم السفينة، فهو يستخرج من جبل بمنطقة دلمه بالإمارات العربية المتحدة».المعمار في المحرقمع بداية القرن الماضي كان دخول البحر وصيد الأسماك واستخراج اللؤلؤ هما مجال العمل الوحيد لأهل البحرين قبل اكتشاف النفط في ثلاثينيات القرن، لذلك كانت تجارة الأخشاب رائجة «أتذكر وسمعت من كبار السن أنه كانت بالمحرق 3 عماير مشهورة وهي عمارات فخرو والدوي وبوزبون، وموقعها كلها بسوق المحرق القديم، إلا أن عمارة بوزبون تبتعد عنها قليلاً، وللأسف لم يتبق إلا عمارة بوزبون وهي مقري الحالي، أما عمارة بوزبون الأصلية الأولى فقد استأجرتها وزارة الثقافة باهتمام من الوزيرة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، وأعادت بناءها على النمط البحريني القديم حتى صارت الآن معلماً من تراث البحرين وتاريخها».ويشكر عبدالله الوزيرة على اهتمامها ويناشدها الاهتمام بما تبقى من سفن الصيد الكبيرة السابقة «لأنها تعتبر جزءاً من تراثنا وعلى ما وصل إلى سمعي فإنه توجد الآن سفينة مرمية في فرضة المحرق لعبدالله سلمان الصادق، ومما يدعو للأسف أن هناك الكثير من سفن الصيد تم شراؤها من قبل الإخوة في الكويت وقطر ونقلها إلى هناك وهي الآن معروضة في متاحفهم».ويضيف «من العمارات التي كان لنا معها تبادل تجاري عمارة عبدالله وجمعة وخليل الدوي وعمارة فخرو بالمنامة بجانب عمارة راشد وحسن أبناء محمد بوكمال وعمارة محمد عبدالله الحسن، وأنا أشكر الشيخ خالد بن حمود وهو مسؤول في متحف البحرين الوطني حيث زارني في محلي ووعدني بالمساعدة في الحفاظ على ما تبقى من السفن القديمة».تأسيس الأسرةتزوج عبدالله بوزبون عام 1979 وأقيمت حفلة زواجه على مسرح حديقة السلمانية، أما شهر العسل فكان في شرق آسيا «لدي الآن ولدان محمد يعمل مدير فرع في المصرف الخليجي التجاري ونواف طالب سنة ثانية بجامعة البحرين، و3 بنات وهن أنوار وتعمل مدرسة ومعيدة في جامعة البحرين وأمينة أستاذة ثانوية ومنيرة ) طالبة في المرحلة الثانوية».يستيقظ عبدالله في الصباح الباكر، ويحرص على أداء صلاة الفجر في المسجد المجاور لمنزله وبعدها يوصل أبناءه إلى مدارسهم «في السابعة والنصف أكون موجوداً في محلي إلى الثانية عشر والنصف ظهراً، حيث يزورني العديد من الإخوة والأصدقاء، وأعود ثانية لفتح المحل من الرابعة إلى السابعة مساءً، حيث أزور بعض المجالس ويدور النقاش والكلام بين المرتادين فيما يعود بالنفع على الجميع، وحيث لا تستمع إلى أي كلام يمس أعراض وكرامة الآخرين، ولم أجد هذه الصفات الحميدة إلا في 4 مجالس عبدالعزيز يوسف بوزبون بالمحرق وعيسى بن أحمد الجودر بقلالي والشيخ نوار علي الوزان بالمنامة وعبدالعزيز البسام بأم الحصم، شاهدتهم وهم يعترضون على أي شخص يخرج على آداب وسلوكيات المجالس التي كانت سائدة في مجالس آبائنا وأجدادنا».ويشكر عبدالله أصحاب هذه المجالس ويدعو لهم بالتوفيق و طول العمر «جزاهم الله خيراً، تعلمت منهم الكثير ومنها أنه في إحدى المرات استهزأ أحد الموجودين في محلي بشخص آخر يجلس بجانبه، فما كان مني إلا أن طلبته إلى خارج المحل وقلت له.. أرجو أن تحترم مرة ثانية كل الجلساء عندي، وهذا واجب على أصحاب المجالس أن يكونوا قدوة خير وذوق لغيرهم، فالمجالس مدارس كما يقال ولكن للأسف بعض المجالس انحرفت عن المبادئ والقيم السامية إلى الخوض في أعراض الناس والتشهير بهم وتوجيه الاتهامات الباطلة والكاذبة عنهم، وهذا ما لا يتلاءم مع تعاليم وإرشادات ديننا الحنيف».ويهوى عبدالله الزراعة ولديه مزرعة في بيته ويقضي فيها أحلى أوقاته بمشاهدتها وتنظيف وتقليم أشجارها وتسوية أرضها.ويسرد عبدالله أنواع السفن وطريقة استعمالها «البوم هو من أكبر السفن حجماً ويستعمل في الغوص ونقل البضائع والأسفار البعيدة، السمبوق ورد للفظ (سمبوق)، قد تكون من (سنبك) الأعجمية وتعني زورق صغير، انتشرت صناعة السنابيك وطغت على ما كان سائداً كالبتيل والبقارة ويمتاز بمقدمته المنحنية».ويواصل «البانوش من أحدث أنواع السفن المبتكرة في الثلاثينات، والبغلة من السفن الكبيرة، وتحمل حوالي 2500 طن من التمر وأكياس الأرز، والبتيل من السفن الكبيرة المستخدمة في الغوص والسفر، الكبيرة منها تستعمل شراعين وتمتاز بمقدمتها الدائرية، والمفردة من بتلي السواحلية وتعني السفينة الدائرية، والجالبوت تستخدم لأغراض الغوص والتجارة وصيد الأسماك ونقل الركاب، وتمتاز مقدمة الجالبوت بزاوية قائمة عن (البيص) ومؤخرته مربعة الشكل».