كتب ـ جعفر الديري: ليس لأحد أن يعترض على طريقة الآباء في تربية أبنائهم، طالما أنها سديدة وتصل بهم بر الأمان، لكن بالمقابل لا يحق للآباء أن يجهضوا مواهب أبنائهم بذريعة أنها لا تسكت جوعاً!. أصحاب الاختصاص يثبتون الضرر الكبير لخنق الأب موهبة ابنه الفنية أو الأدبية، فإن كان محظوظاً فإن موهبته تزهر يوماً رغم القيود، وإن كان سيء الحظ، يصاحبه الشقاء أبداً!. وأد الموهبة الكلام السابق تجده جليلة عبدالله صائباً، وتقول «هناك شريحة واسعة من الآباء يحملون هذه الفكرة، ولا يترددون في سبيل تحقيقها في وأد موهبة أبنائها خوفاً على مستقبلهم على ما يزعمون». وتضيف جليلة «أولئك لا حظ لهم من الأبوة سوى الاسم، عشت مع بعضهم ولمست عن قرب مبلغ ما بنفوسهم من غرور وكبر، ورغبة في الإثراء وتكديس الأموال على حساب الأبناء». وتعبر ندى علي عن أسفها لوجود آباء وأمهات، لا يستطيعون فهم نفسية أبنائهم جيداً «هؤلاء لا يمكن التعويل عليهم، لا يعرفون حتى الزمن الذي يعيش فيه أبنائهم». وتعود وتستدرك «كيف نوصف بالأنانية فيما نحن لا نرغب بشيء سوى سعادة أبنائنا؟! وإليــك الوضـــع الذي يعيشــــه أغلب الكتــــاب والفنانين.. أليسوا فقراء أو على أقل تقدير يعيشون بمستوى متدنٍ عن الآخرين؟! إنهم حتى لا يملكون المال اللازم لطباعة كتبهم، وتظل حبيسة الأدراج سنوات عدة.. هل نترك أبناءنا لهذا المصير دون فتح أعينهم على دنيا المال والأعمال؟». لا لوم على شاعر يجزم أبو أحمد أن المواهب الأدبية والفنية ذات مردود سلبي على الأبناء «تخلق لديهم الغفلة والسهو وقلة التركيز» ويضيف «أعمل بمؤسسة مالية، وأعرف يقيناً أن هذا القطاع هو الأفضل لأبنائي.. تعاملت مع كثير من الزبائن ولمست عن قرب مبلغ شرودهم، وكثيراً ما اكتشف أنهم من هواة الفن والأدب». ويضيف أبوأحمد «جاءني يوماً زبون طيب القلب، وعندما غادر المكان، جاء في اليوم التالي يسأل عن كتابه، وفي مرة ثالثة جاء يريد تغيير بطاقته لأنه نسي رقمها رغم أنه دفع رسومها، فصنعنا له واحدة أخرى، لكنه جاء مرة رابعة ودفع رسوماً جديدة وطلب بطاقة جديدة لأنه نسي رقمها.. باختصار كان شاعراً!».الغلبة للموهبة لكن هذه التعليلات لا يقبلها منطق برأي رضي يوسف، وإنما تدل على مبلغ جشع الإنسان وترفعه عن المشاعر الإنسانية «استغرب وجود أناس يفكرون بهذه الطريقة.. هل انتهى الخير من قلوب الناس حتى وصل بهم الحال لرفض الشعر والفن والأدب؟! ماذا تبقى للإنسان عندما يجرد قلبه من فضيلة الإحساس؟!». ولا تجد فاطمة عباس في المسألة خطراً كبيراً، وتؤمن أن الغلبة للموهبة دوماً «الموهبة التي منحها الله للطفل، تظهر إن عاجلاً أو آجلاً، وحتى لو حاول الآباء كبت مواهب أبنائهم فسيقدر لها النجاح، أنظر مثلاً لحال كثيرين من الأدباء والفنانين، جهد آبائهم في حرف طريقهم عن مواهبهم لكنهم فشلوا، الشاعر الكبير بوكاشيو، أرغمه أبوه على دراسة المحاماة، وهو اليوم من أعظم شعراء العالم».