كتب ـ إسماعيل الحجي:يعاقب المسلسل المكسيكي «تريزا» مشاهده بحكاية قديمة سمعها آلاف المرات، يجلده على امتداد 152 حلقة ولمدة ساعة يومياً بتفاصيل مملة... والحدث دوماً صراع المال والسلطة والخير والشر.كعادة الأعمال الدرامية المكسيكية في التركيز على الأحداث الهامشية وتضخيمها وإعطائها زخماً لا تستحقه، لم يخرج «تريزا» عن هذا السياق، بل أضاف عليه وبهره وضخمه وسخفه.في المسلسل يبدو العالم وكأنه كور من جديد وبات يدور حول امرأة واحدة اسمها «تريزا»، ميزتها أنها فاتنة جذابة تتقن فن الكذب وإغواء الرجال، تتلاعب بهم كالخاتم بإصبعها، وهم كلهم إما أغبياء أو طيبوا القلب والسريرة، بسيطون لدرجة السخافة، وبالتالي يسهل على البطلة أن تطوعهم وتعيد تشكيلهم من جديد على هواها، وترسم بهم عالماً ومحيطاً على مقاسها.العمل يصور –بالتأكيد- واقعاً لا وجود له في أي بقعة بالعالم ولن يوجد يوماً، يوهمنا بعوالم فيها الكثير من الخداع والرياء، ولكن لها جوانب أخرى من رغد العيش وبحبوحته، والتسلط على موائد الآخرين والاكتناز من خيراتها، إلى أن تطوح هذه الرغائب الشيطانية ببزوغ فجر الخير القوي وإن استكان الجبار وإن وهن، ليقوض دعائم الشر بضربة من قبضته الحديدية دون الارتهان لأبطال العمل المقدمين أصلاً كعاجزين عن إتيان فعل مماثل.يقسم «تريزا» شأنه شأن الأعمال المكسيكية من «كاسندرا» و«ماريا» و»إلهاندور» وسواها العالم إلى نصفين، الأول شرير طماع خداع لا حد لصلفه وغروره وفي سبيله يفعل كل الرذائل والمحرمات، وآخر محب للناس طيب السريرة صافي النية يهرق دمه في سبيل من يحب، ولأن الفريق الثاني يتعامل مع الجميع بطيب نية فإن الأول يقهره بداية، يصرعه، يمرمغ أنفه بالتراب، بينما يقابله هو بابتسامة، ونهاية الأعمال كلها تتشابه ينتصر الحق ويسود، ويدحض الباطل وأهله والبطل يتزوج البطلة.لماذا نتابع هذه المسلسلات؟ سؤال وجيه إجابته بسيطة، لأننا بطبيعتنا نحب الخواتيم السعيدة لكل شيء، ونكره الواقع بتفاصيله الأليمة، وهذا ما يلبي رغباتنا بالمسلسلات المكسيكية، فروايات الشرق ومسلسلاته وأفلامه لم تكن تلاقي الاستحسان أبداً إن لم يتزوج البطل محبوبته في نهاية العمل، ويقهر في سبيلها الصعاب.كان «تريزا» باختصار قصة حب مكسيكية يعشقها الشرقي، يحب تفاصيلها، تحاكي المخبوء في داخله، إذ لا بطولة سوى في ساحات النساء، ولا وجود لبطل دون بطلة، ولا قصة يسمعها أحد إن كانت ذكورية يمحي فيها ذكر النساء.«تريزا» قدم وجبة شهية في هذا الجانب، وعرض رفاً من المكسيكيات الفاتنات تدغدغ رغائبنا، ولكن أكان هذا هو المطلوب فعلاً؟ أم أن المشاهد لم ير ما هو أجدر بالمشاهدة؟ ألا يتحمل المشتغلون بالدراما العربية جزءاً من المسؤولية؟ أليس الأجدى ملامة المخرجين والمنتجين العرب الذين لم يقدموا للمشاهد العربي جديداً مستمراً يغنيهم عن مسلسلات أجنبية تغترب بهم عن واقعهم الحقيقي؟!.
«تريزا».. مسلسل لجلد الذات
20 فبراير 2013