كتب ـ جعفر الديري:يبدو الطفل علي مختلفاً عن أقرانه بالروضة، تجده دوماً منشرح الصدر، باسم الثغر، يضحك ويلهو كثيراً ويتحدث بهدوء وعلى أساريره علائم السعادة. عندما حاولت معلمة الروضة معرفة السبب، اكتشفت أنه سعيد بكنف أمه غير الموظفة، حتى أنه تعرف على أصدقاء كثر، من خلال زياراته المتكررة معها للأقارب والجيران والمعارف.بالمقابل تجد أطفال النساء الموظفات أكثر وحدة وتعاسة، فهم معزولون عن أقرانهم ومحيطهم، ولا وقت لدى أمهاتهم لمداراة شؤونهم والسؤال عن أحوالهم في غالب الأحيان.أقلها العصبية الزائدةتبكي فاطمة يوسف بحرارة ولا تخفي دموعها، وتعترف أنها السبب بعزلة طفلها «كنت أتركه وأخته في البيت وأذهب للعمل، بينما أبوه يعمل بنظام النوبات».تعمل فاطمة بإحدى محال بيع القرطاسية، ولا وقت لديها للاهتمام بشؤون طفلها وطفلتها «طفلي شديد الغضب والانزعاج، معصب دوماً، لم أشأ الاعتراف أني كنت السبب، حتى اضطررت لعرضه على طبيب فأخبرني أن ابني يشكو الوحدة» وتتابع «اليوم هو شديد الخوف وسريع الغضب لأتفه الأسباب». الموازنة حل منطقيتزعم نجيبة حسن أن طفلها بأحسن حال وبصحة جسمية ونفسية عالية رغم أنها موظفة «أنا موظفة صحيح، لكني أرعى شؤون طفلي ومنزلي ولا أغفل عنها دقيقة واحدة».وتقول نجيبة أن مجالسة الأطفال تؤتي أكلها بالكيف لا بالكم «هناك أمهات لا يفارقن أبنائهن، ومع ذلك لا يمنحنهم شيئاً يزيل عنهم شعور العزلة والكآبة، وبالمقابل هناك أمهات موظفات صباحاً ويتفرغن مساءً لرعاية الأسرة والأبناء» وتضيف «شعور الأبناء بالوحدة لا علاقة له بعمل المرأة، بل بعقل الأم وتصرفاتها وكيف توفق بين الوظيفة والمنزل». وتستدرك نجيبة «تتحدثون عن عمل المرأة وكأنها تذهب إليه طائعة مختارة، لكنكم تعلمون أن الأم مجبرة على العمل، كيف وراتب زوجها لا يكاد يفي حاجاته؟!، أليس من حق أبنائنا علينا توفير الطعام واللباس الجيد لهم على أقل تقدير؟!». مرض اسمه الوحدة سوسن محمد متقاعدة من العمل منذ عام تقريباً، تؤمن بضرورة وجود الأب والأم مع ابنهما، لما لتركه وحيداً من أثر سلبي على نفسية الطفل «وجود الأبوين يحجز الطفل عن جملة أمراض نفسية تتربص به مثل الشعور بالعزلة والخوف».لكنها تؤكد صعوبة أن وجود الأبوين مع أبنائهم في كل وقت «تعقيدات الحياة أفرزت مشكلات أكثر تعقيداً، وأضافت هموماً معيشية صعبة، وإذا أردنا الحقيقة، فإنه لا يوجد طفل اليوم لا يعاني شعوراً بالوحدة تختلف من طفل لآخر». الطفل الغربي غير هذا الموضوع يتخذ منحىً مختلفاً بالنسبة لمعصومة عباس، حيث تؤمن أن الشعور بالعزلة يغلف حياة الناس جميعاً «ما يعاني منه الأطفال هو انعكاس لشعور الآباء والأمهات أنفسهم».لكنها بالمقابل تشدد على أهمية وعي الآباء وقدرتهم على برمجة حياتهم «في الغرب مثلاً لا يشعر الطفل بالوحدة، لأنه يتعود منذ نعومة أظفاره على الاستقلالية.. أمه وأبوه يعلمانه أنه إن لم يساعد نفسه لن يحظى بمساعدة أحد، وعندها يترسخ في ذهنه أنه قادر على الحياة دون أن يرتبط بالناس بقوة، وبالتالي لا يشكل الابتعاد عن أبويه مشكلة».