كتب ـ جعفر الديري: لماذا تنكر عادل إمام للطبقة الفقيرة؟ لفئة عانت شظف العيش وقسوة الحياة، ومشقة تأمين لقمة تسكت غضب الجوع، واندفع بقوة نحو أفلام أبطالها برجوازيون يعانون رتابة الحياة والملل القاتل!. لماذا فعل ذلك، وكان بالأمس يلتقط شخصياته من قاع المجتمع؟ من حمالي «الكارو»، وبياعي الفول المدمس، ممن يصعدون إلى الطابق العشرين على أقدامهم لإيصال طلبات الناس المرفهين، بينما يختار اليوم السكن بأفخم الفلل والعمارات الشاهقة، وممن يرتادون الكازينوهات ويتنقلون من امرأة لأخرى، ويخرجون محافظ نقودهم كعلامة لقدرتهم على شراء كل شيء؟!. هكذا تبدو صورة عادل إمام في سنواته الأخيرة، رجل متقدم في السن، تأتيه السيناريوهات وهو جالس على كرسيه الوثير، يختار منها ما يوافق مزاجه، ويؤكد غناه، صورة تختلف كلياً عما كان عليها في مراحله الأولى.من «المولد» و«مسجل خطر» و»المنسي» الفقير المعدم صاحب الأسمال البالية، انتقل عادل إمام إلى «مرجان أحمد مرجان» و«التجربة الدنماركية»، أي إلى صورة الوجاهة والغنى والمال!.لعبة خطرة في فيلمه «زهايمر»، لا يحدثنا عادل إمام عن رجل مسحوق، بل عن رجل ثري أراد أن يلعب لعبة، فاكتشف قسوة التقدم في السن، وأنانية الناس، أبناؤه أنفسهم لا يشغلهم سوى التفكير في ثروته، وليس غريباً أن نجدهم يتحدثون عن أبيهم وكأنه انتهى، وعليهم التحرك كي لا تذهب الثروة للغرباء!. الإشكال هنا لا يتعلق بالدور فحسب، بل بأداء عادل إمام، ابن الطبقة المتوسطة، وهو جعلنا نجزم ـ على امتداد نصف قرن على تجسيده لشخصيات من هذه الطبقة ـ أنه مهما بلغت موهبته لن يتمكن من أداء الشخصية البرجوازية وابن الذوات، رغم أنها منها حقيقة، فتلك لها إحساسها الخاص بما حولها.حاول عادل إمام تجسيد الشخصية بأكثر من دور، لكنه لم يفلح في إقناعنا، وبمقارنة بسيطة مع الفنان الكبير زكي رستم، نكتشف عمق الفارق، زكي رستم كان من عائلة غنية موسرة، ابن باشا، هرب من حياته وعاش حياة مختلفة في الفن، وعندما يجسد شخصية برجوازية يدرك من أي باب يدخل، عندما يتحدث ويؤدي يستند لتجربة وتراث عاينه شخصياً، ويجتهد فيه لأنه يرفضه، خرج من عباءة الموسرين إلى عباءة عباد الفن البسطاء.عادل إمام على العكس، هرب من حياة البسطاء إلى عيش الموسرين، والفن وسيلته أيضاً، وهو هنا لا يرفض حياة الموسرين بديل أنه يقدم دائماً حياتهم، بينما ترفع عن حياة الفقراء المعدمين، فلم نجده في سنواته الأخيرة يقدم دوراً واحداً لهم وسط تكدس الشخصيات البرجوازية الغنية التي جسدها. بين السينما والتلفزيون ولا يقولن أحد إن مسيرة عادل إمام الفنية مرت بمراحل، وأنه تقدم في السن، فكلا هذين السببين، مردود عليهما، ومتابعة بسيطة نكتشف أن هناك عدداً من الفنانين ورغم ما بلغوه من الشهرة مازالوا محافظين على صلتهم بالطبقة الفقيرة. هؤلاء كانوا أبعد نظراً من إمام، إذ جمعوا بين السينما والتلفزيون لإدراكهم أن التلفزيون يملك إمكانات أكبر للتعبير عن حياة الفقراء، نشير مثلاً إلى نور الشريف، الذي أتحفنا في موسم رمضان الماضي بدور رائع في مسلسل «عرفة البحر»، حاكى فيه هموم الصيادين بوجه أصحاب النفوذ، بينما قنع عادل إمام بأفلام مثل «زهايمر» و«مرجان أحمد مرجان»، ولا بأس بتناول هذه الشخصيات الغنية الموسرة، لكن من حق الذين عشقوا عادل إمام فقيراً معدماً أن يوجهوا إليه سهام نقدهم.
عادل إمام بدأ شحاذاً وانتهى برجوازياً!
21 فبراير 2013