كتب ـ علي الشرقاوي: وأنا أجلس بين ركام الكتب، أعني بين أرواح الكتّاب والرواة والفنانين، في غرفة تكاد لا تتنفس غير غبار الكتب ورائحة المؤلفين، في هذا الجو، أعود للوراء 50 عاماً، تراكم فيها كتاب بعد آخر، حتى وصلت إلى مرحلة التكدس أو ما يطلق عليها مرحلة الكراكيب، فمئات الكتب ـ طبعاً غير كتبي المؤلفة، تجرني من إذني إلى الكتب الأولى.في بداية الستينات، عندما كنت في الثانية عشرة من عمري، أعطاني ابن خالي حسين إبراهيم أبو سيف، مجموعة من الكتب منها كتاب «ما هي القومية»، ومعه كتب أخرى لا أذكرها الآن، في مكتبة ابن خالي حسين، قرأت كتب ساطع الحصري دفاعاً عن العروبة، وبعض كتب سلامة موسى.بدأت في شراء كتب صغيرة، حسب إمكاناتي المادية، فتشكلت لدي سلسلة من «المكتبة الثقافية» الشهرية الصادرة في مصر، وكان سعر الكتاب آنذاك 75 فلساً، أو بعملة تلك المرحلة 12 آنة.حين ذهب أخي حسين إلى القاهرة ـ طلبت منه أن يجلب لي معه بعض الكتب، فكان ذلك.كانت علاقتي بالمكتبة العامة في تلك الفترة قوية، كنت أستعير كتاباً لمدة يومين وأعيده بعد القراءة لآخذ غيره، وأتذكر أني بعض الأحيان إذا شدني الكتاب فإني لا أتركه إلا بعد الانتهاء منه ـ وأذكر أني اندمجت بقراءة رواية «في بيتنا رجل» منذ الصباح إلى أن انتهيت منه مساء.في هذه الفترة كان يدفعني شعور غريب للقراءة، وكنا بعد هزيمة حزيران 1967، عبدالحميد القائد ويعقوب المحرقي والمرحوم عبداللطيف راشد نتبادل الكتب التي نشتريها، ومن ثم نجلس نناقشها بما نملك من معرفة. بعد أن ذهبت إلى بغداد أكتوبر 1986 لدراسة المختبر مبتعثاً من دائرة الصحة في البحرين في الأشهر الأولى لرئاسة د.علي فخرو، فوجئت بكم الكتب على الأرصفة في ساحة التحرير أو كما يطلق عليه الباب الشرقي، إضافة إلى مكتبة المثنى، فاشتريت ما أرغب في قراءته من كتب أدبية وسياسية، وكان بمقدمة هذه الكتب الدراسات الماركسية، حيث كنت مهتماً بالاطلاع على كتابات ماركس وأنجلز ولينين وماوتسي تونغ وهوشي منه وكيم إيل سونغ، ثم بعد ذلك تولعت بالذهاب بصورة شبه يومية إلى سوق السراي، القريب من شارع المتنبي، حيث تباع الكتب المستخدمة، وكونت مجموعة من العلاقات مع باعة الكتب.ولأني تعودت شراء الكتب المباعة على الأرصفة، لرخص ثمنها، بحيث تمكنك من تقليبها وقراءة مقدمتها، فما إن أرمي حقيبتي في الفندق حيث أسكن، حتى أراني أتأمل الكتب المرمية على الشارع، وكل كتاب يناديني لأخذه، ونفس الشيء حدث لي في بيروت عام 1969، والكتب الممنوعة في البحرين أمامنا تنادينا لقراءتها.اهتمامي بالكتاب دفعني أن أحلم بمكتبة، أستطيع من خلالها جلب الكتب إلى الأصدقاء، وكانت بداية جيدة لافتتاح مكتبة نون عام 1987، حيث كان دكاترة جامعة البحرين يطلبون من الطلبة مراجع محددة من الكتب النقدية الجديدة، وفرتها لهم بعد سنوات، إلا أن الدكاترة الذين يطالبون بمتابعة الجديد من الدراسات النقدية، عادوا إلى أوطانهم أو تحولوا إلى جامعات خارج البحرين. هذا هو ما جعل المكتبة، مكتبة نون، تتحول من مكتبة لبيع الكتاب الجديد، إلى موقع لشرب الشاي والدردشة ومكان للقاءات الفنانين الطامحين لتقديم أجمل ما يملكون للمسرح والسينما والتلفزيون والأغنية المغايرة.
نصف قرن في مكتبتي الصغيرة
10 مارس 2013