خسرت الشابة بشرى كل ما تملك في محافظة حمص وسط سوريا. زوجها بات منذ عام مجهول المصير، ومنزلها أحرق. باعت كل الذهب الذي في حوزتها لتنتقل إلى لبنان، لتصبح اللاجئة السورية «رقم مليون». قبل أسبوعين، وصلت بشرى البالغة من العمر 19 عاماً، إلى مدينة طرابلسشمال لبنان، لتقيم في منزل شديد التواضع في منطقة تعرف باسم «حي التنك»، حيث سقوف المنازل من الحديد المثبت بإطارات مطاطية، ومعالم الأزقة تحددها حفر تغمرها المياه الآسنة.في هذا الحي، تقيم بشرى وطفلاها حنين وسلطان، مع 20 فرداً من عائلة زوجها، في منزل لا تتعدى مساحته 20 متراً مربعاً. قصدت الشابة صاحبة النظرات الخفرة والصوت الخافت، مقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في طرابلس لتسجيل اسمها على لائحة السوريين الذين هربوا من النزاع الدائر في بلادهم منذ عامين. وتقول بشرى وهي جالسة على أرض المنزل المغطاة بحصائر تالفة، إنها فوجئت بمسؤولين في المفوضية «يقولون لي إنني اللاجئة رقم مليون» في الدول المجاورة لسوريا. حينها، دمعت عينا بشرى لأنها أدركت أن «ثمة مليون سوري يعيشون التجربة نفسها». وتضيف أن هذا الرقم يظهر «للعالم كيف يعيش اللاجئون السوريون، عله يساعدنا أكثر». لم يكن خروج هذه الشابة من سوريا بلا كلفة باهظة. وتشير إلى أنها كانت «من أواخر الناس الذين تركوا حي دير بعلبة في حمص. خفنا بعدما قيل لنا أن الشبيحة «عناصر الميليشيات المؤيدة لنظام الرئيس بشار الأسد» سيدخلونها. هؤلاء يغتصبون النساء. خفنا وغادرنا منازلنا في فبراير 2012». آثر زوجها محمد «30 سنة» الذي عمل كسائق سيارة أجرة، البقاء في دير بعلبة «ليحافظ على المنزل». وفي الأول من مارس 2012 «حاولنا الاتصال به لكن دون جدوى. ومنذ ذلك الحين لا نعلم عنه شيئاً».انتقلت إلى منزل والديها في معضمية الشام جنوب غرب دمشق. وتقول «بعت كل ما أملك من ذهب لآتي إلى لبنان. دفعت 10.500 ليرة سورية «نحو 105 دولارات امريكية» لسائق أجرة».تفتقد الشابة التي تخفي بابتسامة مرارة الأيام، منزلها في حمص الذي علمت في ما بعد أنه أحرق. وتضيف «غادرناه بلا شيء سوى ملابسنا التي نرتديها». أما شوقها الأكبر فهو لزوجها الذي تقول عنه «أحببته كثيراً وأنا بعد صغيرة»، لدى عقد قرانهما في عام 2008، وتضيف أن كل ما تريده هو «أن أعرف مكانه، هذا عندي أهم من أي شيء». تعيش بشرى حالياً مع أقارب زوجها وهم والداه، و3 من أبنائهما أحدهم مصاب بإعاقة تلزمه الكرسي المتحرك، و4 بنات متزوجات مع عائلاتهن. وتدفع العائلة التي تفضل عدم كشف هويتها، إيجاراً شهرياً قدره 250 دولاراً، يوفره الابن الرابع الذي ما زال يتنقل في شاحنته بين لبنان وسوريا، بينما تقيم زوجته وأبناؤه الثلاثة في المنزل الذي تغطي زواياه فرشات اسفنجية تستخدم للنوم. وتشرح بشرى وهي تحضن حنين وإلى جانبها سلطان الغارق في سبات يقطعه سعال حاد «كان ولداي يخافان من القصف. حاولت التخفيف عنهما، وقلت إننا ذاهبون لنقيم مع جديهما في لبنان». لم يخفف المحيط العائلي من وطأة التهجير. فسلطان وبشرى «يبكيان في الليل. قبل أن آتي إلى لبنان كنت أبتاع لهما ألعاباً يلهوان بها، لكنهما هنا حرما من كل شيء».إلى ذلك، يدفع الولدان الضريبة الأقسى لارتفاع كلفة المعيشة في لبنان وحالة المنزل السيئة. فقد تسببت الرطوبة المرتفعة والرائحة الكريهة في داخله، بالتهابات حادة للطفل لا حل لها سوى الاقامة في منزل يتمتع بحد ادنى من الشروط الصحية. أما حنين التي تعاني من تشوهات خلقية في منطقة الفم والانف يتطلب علاجها عمليات جراحية، فباتت تصرخ بصوت مرتفع طوال اليوم. وتقول بشرى «ابنتي تغيرت طباعها. لم تعد تلتزم بما يطلب منها، ووصل الأمر بها إلى أن تبصق على الناس» عندما يتحدثون إليها. ومن خلال مفوضية اللاجئين، تسعى بشرى لتوفير مساعدة نفسية لطفلتها «التي قيل لي إنها تغيرت جراء الجو الذي نعيش فيه».تشكل حالة بشرى مثالاً على الكثير من العائلات السورية التي تختبر ظروف الحرب، لكن هذه الأم التي تتولى مسؤولية طفلين وهي ما زالت دون العشرين ربيعاً، باتت تحمل رقماً رمزياً يذكرها بمعاناة شعبها. وتقول بشرى إن صفة «اللاجئة رقم مليون» لا تعني لها الكثير على المستوى الشخصي، بل هي «رقم مؤذٍ ودليل على أزمة صعبة». تضيف «إذا بقي الوضع على ما هو عليه هنا، أفضل أن أعود إلى سوريا. الغربة مذلة».«فرانس برس»