كتب ـ حسين التتان:يقول المثل «باب النجار مخلوع دوماً»، ويمكن بسهولة ملاحظة أن مصابيح منزل الكهربائي معطلة، ومجارير بيت معلم الصحية مسدودة، وثوب الخياط مشقوق، وشعر الحلاق طويل ويحتاج لتهذيب، في دلالة إلى الإنسان عندما يمتهن عملاً محدداً ينسى نفسه، فالأولى أن يهتم الحلاق بشعره والخياط بثوبه والنجار بباب بيته.نفس المثل ينطبق تمام المطابقة على الطبيب المدخن، فرغم علمه بمضار التدخين، وتسببه بعشرات العلل والأمراض، ونصحه الدائم للمدخنين بضرورة الإقلاع حفظاً للصحة، إلا أنهم ينسون أنفسهم، وكأن النصيحة لا تشملهم أو أن التدخين يضر الآخرين باستثنائهم.الازدواجية والتناقض يرى عبدالنبي سيد إبراهيم في الطبيب المدخن شخصاً لا يحترم ثقافته ولا علاقة له بما حصل من علم «هو يعيش حالة التناقض والازدواجية والتخبط بين النظرية والواقع».ويأسف عبدالنبي أن هؤلاء أصبحوا كثر في المستشفيات والمرافق الصحية «ينصحون المرضى ومدمني السيجارة بتركها في غرفة المعالجة، وفي فترة الاستراحة وخلف غرفة المعالجة، يشفطون ما تيسر من الدخان لصدورهم».ويعتقد أكرم محمد أن ظاهرة تدخين الأطباء، من أخطر الظواهر في مجتمعنا المدني «تحمل الكثير من التناقضات، ولا يمكن لها أن تشجع بعض المدمنين بترك التدخين، في وقت يشاهدون فيه طبيبهم الناصح مدخناً شرساً».وتنظر أم عبدالله إلى الطبيب كشخص مثل باقي الأشخاص «هو ليس معصوماً عن الخطأ، ولا يجب أن نندهش من ممارسات خاطئة يرتكبها أطباء ومنها التدخين، كلنا نملك قناعات علمية وواقعية نؤمن بها ونخالفها يومياً، لأن العلم بالشيء لا دخل له بتطبيقه».ولا يخفي محمد علي سلمان علمه بمضار التدخين «الطبيب على دراية أكثر مني بذلك، لكننا ندخن والسبب ضعف الإرادة، ولا علاقة لهذا الأمر بالعلم والشهادة العلمية».الطبيب ليس معصوماًوتشير سلوى محمد إلى أن التدخين نوع من الإدمان «الجسم المدمن على مادة النيكوتين، يطلبها في حال أدمن عليها، سواء كان رجلاً عادياً أم طبيباً».وتتفق نور عبدالعزيز مع سلوى، وتقول إن المسألة تتلخص بالإدمان «أكاد أجزم أن كل طبيب يدخن السيجارة اليوم، إنما كان يدخن قبل أن يكون طبيباً، لأن المسألة لها علاقة بالإدمان لا أكثر ولا أقل، ولم أسمع يوماً أن شخصاً أصبح طبيباً ومن ثم بدأ بالتدخين، فكل الأطباء كان تدخينهم سابق للشهادة الطبية».وتضيف «إذا كان هناك من تعلموا التدخين من الأطباء بعد نيلهم الشهادة العلمية، فإنهم بلا أدنى شك، كانوا يدخنون لظروف نفسية خارجية صعبة وهم قلة».ولا يفرق أبو خلود بين تدخين الأطباء وغيرهم من الناس «إما من باب الفشخرة، أو أنهم مدمنين ويحتاجون للعلاج، أو أنها شقاوة وتضييع وقت» ويستدرك «في كل الأحوال يجب أن يكون الطبيب المدخن والمدمن أكثر مسؤولية من غيره، وعليه الإقلاع عن التدخين، ليكون قدوة للمرضى والمدمنين، وإلا فإن نصائحه لن تنفع».الطبيب قدوة!الطبيبة ليلى عبدالجليل تقول «رغم أني لم أطرح الموضوع بصورة مباشرة مع طبيب مدخن، حول الأسباب التي دفعته للتدخين، إلا أني لا أتصور أن الأسباب تختلف كثيراً عن تدخين العامة».وترد أسباب تدخين الأطباء إلى ما قبل دخولهم كلية الطب «عادة المدخنون يبدأون التدخين في سن المراهقة وتستمر هذه العادة معهم لسن الشباب، وفي هذه الفترة العمرية لا تكون المخاطر الصحية والنفسية والاجتماعية معروفة بشكل واضح لهؤلاء، إضافة إلى بيئة الشخص، فإن لها الأثر الكبير في تشجيعه على التصرفات الخاطئة مثل الأسرة والجيران والمدرسة والأصدقاء». وتضيف «التدخين يسبب الإدمان، ويستمر الأشخاص ومنهم الأطباء في التدخين حتى لو أصبحوا على علم بأضراره وخطورته، لأن الإقلاع عنه لا تكون سهلة مع أول تجربة». وتواصل «مع الضغوط النفسية الكثيرة في المهن الطبية في التعامل مع الحياة والموت، ومع علم الأطباء بالآثار الجانبية الجسدية والنفسية للتوقف عن التدخين وربما لضيق الوقت، فإن كل هذه الأسباب تجعل أصحاب المهن الطبية يستمرون في هذه العادة السيئة، وإن كان بعضهم يرغب في التوقف عنها، وأحياناً تكون للذة قصيرة للسيجارة تأثير أكبر على المدخن من المضاعفات الصحية على المدى الطويل، ولهذا يتم تأجيل قرار وقف التدخين، وهذا ينطبق على كل السلوكيات غير السليمة ابتداءً من النظام الغدائي وعدم ممارسة الرياضة، امتداداً إلى التدخين والكحول والمخدرات وسواها». وتدعو عبدالجليل الأطباء إلى الإقلاع عن التدخين «كي يكونوا مثلاً أعلى وقدوة في مجتمعاتهم، ولابد من محاولة التوقف عن كل العادات السيئة حتى يكونوا أكثر إقناعاً لمرضاهم بالإقلاع عما يضرهم».حاولنا الحديث مع أطباء مدخنون حول سلوكهم السلبي وأسبابه، لكنهم رفضوا جميعاً الحديث وآثروا الصمت.
الأطباء المدخنون «يأمرون الناس بالبر»!
19 مارس 2013