كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:محمد أحمد يوسف المكنى محمد الحمادي، في حياته لمحات لا تخلو من طرافة، كلبان يغيران مجرى حياته، الأول يجبره على الإقلاع عن التدخين، والآخر يعرفه بزوجته. في العاصمة البلغاية صوفيا كان يعتبر ابن الكاردينال يسكن بالدير الكبير ويأكل بملاعق من ذهب، وفي أمريكا أعاده عناصر من الجيش الأمريكي إلى الحياة بعد أن انقلبت سيارته وطارت في الهواء.مخرب سياسيفي بريطانياكان الإنجليز يعتقدون أنه لم يحضر إلى بريطانيا للدراسة أو السياحة وإنما لعمل دعاية سياسية «عند وصولي استمر التحقيق معي 3 أيام من الصباح إلى المساء بمعدل 10 ساعات يومياً عن طريق ضابط استخبارات من اسكتلنديارد، وعندما أخبرتهم أني لا أعرف اللغة الإنجليزية أحضروا مترجماً وكان التحقيق في مدينة دوفر وفي المساء يرجعوني إلى فلورستون».في أول يوم تحقيق أخذوه للغداء في مطعم العبارة «السفينة» ويقول «أعطوني قائمة الطعام فأخذت أغلاها ثمناً «لابوستر» أم الربيان، بعدها لم يأخذوني إلى نفس المطعم وإنما بدأوا يحضرون لي سندويشات في محل التوقيف، وفي التحقيق أخبروني أني كنت معتقلاً في البحرين وأني أتعاطى السياسة وأحضروا ملفي الأصلي حتى أني تعجبت من وجوده بحوزتهم وأبلغوني أنهم سيحضرون السفير البحريني».وبعد انقضاء 72 ساعة رحل الحمادي على نفس العبارة «هوفركرافت» إلى كاليه في فرنسا بصحبة اثنين من الضباط الإنجليز وضابط فرنسي «كنت مكبل اليدين وكان الناس ينظرون إلي باستغراب ثم سلموني للشرطة الفرنسية، في السفينة سألت الضابط الإنجليزي لماذا هذه المعاملة السيئة وأنا في بلد الديمقراطية؟ فقال لي الديمقراطية للإنجليز فقط». وبعد تسليمه إلى الشرطة الفرنسية حققت بدورها معه لمدة 10 ساعات «في فرنسا أخبروني أني شخص غير مرغوب فيه بفرنسا، ويجب أن أغادر إلى سويسرا لأن التأشيرة الوحيدة الصالحة عندي تأشيرة سويسرا، رفضت الذهاب فانتظروا حتى ينطلق القطار المتوجه إلى جنيف وأدخلوني في القطار عنوة وأغلقوا الباب ورائي».ويضيف الحمادي «وصلنا إلى جنيف وأنا لا أعرف ماذا أفعل؟ جلست على بحيرة جنيف أنظر إلى البط يسبح والجو الجميل بحثت عن سكن فكان كل شيء غالياً، لم أستطع أن أجد سكناً رخيصاً فذهبت إلى محطة القطار ونمت هناك لأني تعودت على النوم في محطات القطار والحدائق، بعدها أخذت القطار إلى ميلان لأن في إيطاليا الحياة أرخص».في القطار إلى إيطاليا شعر الحمادي بالقلق الشديد والحيرة «لم أكن أحمل تأشيرة دخول إيطاليا وبدأ القلق يشتد كلما قربت المسافة من الحدود الإيطالية، كيف أتصرف إذا جاء موظف الجوازات هل أدخل الحمام وأغلق الباب، وبدأت أعبر عن شعوري هذا لأقرب شخص وكان من اليابان فأخذ يواسني ويطمئنني أن كل شيء سيكون على ما يرام ولم أكن أستمع إليه وإنما أستمع إلى الوساوس التي تنتابني والاضطراب كان طاغياً لأني كنت أشعر أنه سيحدث لي كما حدث في الحدود التركية البلغارية».ولكن بعد فترة سمع ومن خلال المايكرفون يعلن وصول القطار إلى ميلان «لم أصدق إلا بعدما لامست قدمي محطة القطار، كيف يكون ذلك ولم يكن هناك ضباط جوازات ولا جمارك ولا غيرها من القوانين التعجيزية الموجودة في الدول العسكرية ذات النظام الأوحد، عندما نزلت في المحطة ذهبت إلى أقرب مركز للشرطة وأخبرتهم أني دخلت البلاد دون تأشيرة دخول فلم يعط ضابط الشرطة أهمية لما أقول وطردني من مكتبه وطلب مني الخروج من المركز، فقررت العودة إلى البحرين بحراً إلى بيروت ثم البحرين دون العودة بالقطار ومشاكل التأشيرات». اتخذ الحمادي قراره بالنوم في ميلان «أخذت تاكسي وسألته أن يأخذني إلى أرخص فندق فأخذني لعدة فنادق وكل فندق يخبره بعدم وجود أماكن شاغرة، وأخيراً حصلت على غرفة في أحد الفنادق، وبعد التحدث مع مسؤول الفندق أخبرني بوجود مكان وأنزلني من السيارة، وذهبت وكان الوقت منتصف الليل تقريباً والسماء تمطر بغزارة، فأخبرني موظف الفندق بعدم وجود أماكن شاغرة وبأنه أخبر السائق بذلك ولم تكن هناك سيارات أجرة في هذا الوقت، قلت له أن يحاول أن يحصل على مكان ليضع حقيبتي بالداخل بينما أنام عند باب الفندق على اعتبار أن المطر لا يصل إلي».لكن الموظف رفض طلبه «لم يكن عندي خيار غير أن أضع الشنطة تحت رأسي واستلقيت على الأرض فلما رأني هكذا أخبرني بوجود حجرة واحدة وليلة واحدة فقط لأنها محجوزة لليوم التالي فوافقت، وفي اليوم التالي ذهبت إلى محطة القطار متوجهاً إلى البندقية عل وعسى أن أحصل على باخرة تقلني إلى بيروت، وعندما وصلت إلى البندقية لم تكن هناك فنادق شاغرة لأنه كانت أيام عيد الفصح وكان المسيحيون من كل دول العالم موجودين في إيطاليا والبندقية تحديداً».ابن الكاردينالويسرد الحمادي معاناته في بلاد الغربة «البندقية من أجمل المدن بقنواتها وجسورها والجندول والتاكسيات البحرية وإشارات المرور، وتعتبر ساحة (بياتزا وبازبليكادي سان ماركو) من أشهر ساحات العالم والكنيسة في الساحة تعتبر من عجائب الدنيا، وتوجد فيها 7 قاعات واحدة أجمل من الأخرى، في هذا اليوم كان يقام قداس عيد الفصح في الكنيسة فكان مشهد القداس رائعاً في كل شيء من الموسيقى التي تنبعث من الأرض إلى التراتيل والطقوس سواء كان من الكاردينال أو القساوسة أو الطلاب، كان مشهداً رائعاً جداً». طوال الرحلة لم تكن لدى الحمادي آلة تصوير «لأن الكاميرا تجلب المشاكل لذا كل ما أتذكره عدم وجود آلة تصوير معي أتحسر على ذلك، لم أحصل على باخرة في البندقية فقررت الذهاب إلى مدينة باري جنوب شرق إيطاليا، حصلت بعدها على باخرة متجهة إلى بيروت ولا توجد فيها شواغر إلا بالدرجة الأولى وقيمتها أكثر من سعر تذكرة الطائرة فألغيت السفرة». قرر الذهاب إلى روما والحصول على تأشيرات دخول تركيا وبلغاريا «جلست في روما 3 أيام كنت أنام في محطة القطار وتأتي الشركة صباحاً وتصيح على النائمين بمغادرة المحطة بعد أن حصلت على التأشيرات ركبت القطار إلى البندقية، وفي البندقية بينما أنا أنتظر القطار المغادر إلى صوفيا شاهدت امرأة في حوالي الثلاثين من العمر متجة نحوي وسألتني مباشرة إذا كنت ذاهباً إلى صوفيا، وقالت لي إن والدها كبير بالسن ولا يعرف الإنجليزية ويحتاج لمن يهتم بأمره».طلبت منه السيدة أن يوصله إلى صوفيا «سألتها لماذا أنا من بين كل الناس في المحطة؟ فقالت إنها متأكدة أني إنسان طيب وهذا السؤال مازال يدور في ذهني لماذا أنا بالذات؟ كان يحمل تذكرة بالدرجة الأولى فاشترت تذكرة درجة ثانية حتى يكون معي بنفس المقطورة، لم يكن هناك حديث معه في القطار غير تبادل الإشارات والضحك، وعندما وصلنا إلى محطة قطار صوفيا كان في استقباله مجموعة كبيرة تقريباً 40 شخصاً من كبار القساوسة يرتدون القبعات الطويلة السوداء والصلبان الذهبية الكبيرة المتدلية على صدورهم والثياب الفخمة التي تدل على مكانتهم الدينية العالية، حتى أني استغربت من ذلك، فأخبرهم أني مثل ابنه واهتممت به طوال الرحلة علماً أني لم أعمل شيئاً يذكر».أخذ القساوسة الحمادي معهم إلى الدير الذي يسكنون فيه «عرفت أن الكاردينال والممثل للكنيسة في صوفيا للاحتفال في البندقية، كان السكن فوق الوصف حتى إن الملاعق والشوك من الذهب والكؤوس من الكرستال انتابني إحساس بأخذ ملعقة أو شوكة لتعويض بعض من المصاريف، لكن كان هناك شعور أكبر وأقوى منعني من ذلك، وعندما قررت السفر بعد 3 أيام أعطاني الكاردينال ظرفاً فيه دولارات فرفضت أخذه وأخبرته أني غير محتاج للمال وعندي منه الكثير، قال لي اعتبرها سلفة وفي أي وقت تأتي إلى صوفيا أرجعها لي فرفضت ذلك، ثم أخذت القطار المتجه إلى إسطنبول».في اليوم التالي ركب القطار إلى بغداد ولما وصل إلى هناك ذهب مباشرة إلى سكن الطلبة «من هناك إلى البصرة وفي البصرة يوجد الكثير من الفنادق تؤجر سريراً فوق السطح بـ150 فلساً، بعد ليلة في السطح ركبت الباص إلى الكويت ومنها بالطائرة إلى البحرين».الرحيل مجدداً بعد وصول الحمادي إلى البحرين نهاية أبريل 1974 كانت تنتظره فرصة الدراسة في إحدى الجامعات الروسية «كانت في تلك الفترة يمنع البحرينيين من السفر إلى الدول الاشتراكية وبالذات الاتحاد السوفييتي، وكانت المنحة عن طريق منظمة تدعى الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي، وكانت هذه المنح الدراسية تعطى إلى المنظمات السياسية ونقابات العمال والكثير من الدول الأخرى بما فيها الكويت».في 17 أغسطس 1974 سافر إلى بيروت «لأن السفر إلى موسكو كان عن طريق بيروت أو بغداد، وبقيت في بيروت قرابة شهر أنتظر التعليمات ووصول أوراق القبول من الجامعة، سكنت في فندق مشرق في الحمراء وكانت الليلة الواحدة تكلف 10 ليرات لبنانية (دينارين ونصف تقريباً)، طبعاً الفلوس بدأت في التناقص وفي بيروت تعرفت على بعض الأشخاص الذاهبين أيضاً للدراسة فقررنا السكن في مقر اتحاد طلبة البحرين في بيروت إلى أن جاءت ساعة الرحيل إلى موسكو، كنا تقريباً أكثر من 10 أشخاص منهم طلبة جدد وبعضهم كانوا يدرسون هناك».القطة في مطار موسكووصل الحمادي مطار موسكو يوم 16 سبتمبر 1974 «كان الجو بارداً جداً، ولأننا لم نعتد على هذه الأجواء الصقيعية، خرجنا عند باب المطار نستنشق الهواء البارد فرأيت قطة صغيرة متأثرة بالبرد فأخذتها وأدخلتها خلسة داخل المطار وأنا خائف أن يغضب الموظفون هناك وتركتها هناك، فإذا بالموظفات يركضن إليها ويحملنها ومن يحضر لها الحليب ومن يحضر لها الماء، عندما شاهدت كل هذا الجمال الصارخ يداعب مجرد قطة أردت أن أقول إني البطل الذي أدخلها إلى المطار، وهذه المرة الوحيدة التي أردت أن أكون فيها مكان القطة».جلس ليلتين في موسكو وتمنى خلالها أن تكون المدة أطول «لأني عملت صداقات مع مسؤولات البعثة ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، إذ جاءت التعليمات بذهابي إلى مدينة كييف عاصمة أوكرانيا فسافرنا بالقطار مدة 10 ساعات، ولم أكن وحدي وإنما كان هناك طلبة من جنسيات أخرى، ولما وصلنا أدخلونا في السكن الطلابي فكان في كل حجرة 4 طلاب اثنان روس ومثلهم أجانب، وكانت الحمامات والمسابح مشتركة وكذلك المطابخ، طبعاً كانت بداية الحياة صعبة جداً لعدم وجود صلة التفاهم بيننا، ولأن اللغة لم نسمع بها من قبل حتى لا نستطيع أن نشتري بيضاً إلا بشق الأنفس لأننا لا نعرف كيف نوصل لهم المعلومة». كانت الكماليات غير موجودة مثل الصابون ومعجون الأسنان الجيد وورق الحمام والكثير من الكماليات الموجودة في «برادات» البحرين «كنا نستلم 90 روبلاً بالعملية المحلية لكييف، بالنسبة لطالب يقضي حياته بين البيت والمدرسة تكفيه مدة شهر كامل، كانت السفرة الأولى بالنسبة لنا كأجانب لدراسة اللغة الروسية وبعد النجاح فيها يذهب كل إلى التخصص الذي يختاره».قرر الحمادي بعد إتقانه الروسية دراسة العلاقات الدولية «لما لها من جمالية وأفق واسع للتعرف على تاريخ الشعوب وعلاقتهم السياسية، عشت في كييف 6 سنوات وحضرت إلى البحرين خلالها مرة واحدة في يونيو 1976 ولم أرجع إلا بعد أن أنهيت دراستي في يوليو 1980 لأن الظروف كانت صعبة». بعد دراسة اللغة يتغير وضع السكن الطلابي فيكون في شقة ذات حجرتين واحدة فيها 3 طلاب والأخرى طالبان وحمام والمطبخ مشترك في نفس الطابق «كانت الحياة الطلابية هناك جميلة وممتعة جداً، عشت أياماً ولا أروع، سواء أكان من الناحية الدراسية أو الاجتماعية، كونت علاقات كثيرة مع طلاب وطالبات من جميع أنحاء العالم، وكانت تمر علينا فصول السنة فصلاً فصلاً لم نكن نشاهد في حياتنا الربيع بجماله والمساحات الخضراء والصيف بدفئه بعد البرد القارس، والاستمتاع بالسباحة في الأنهر والذهاب إلى البحر الأسود في شبه جزيرة القرم أو الرحلات عبر المدن السوفييتية، وذلك كله على حساب الجامعة وفصل الخريف ورؤية الأشجار مكسية باللون الأصفر والبرتقالي، وبداية الشتاء حيث تتساقط الأوراق وتتحول الأرض كبساط من اللون الأصفر فيدخل الشتاء وما أدراك ما الشتاء برد قارس تصل درجة البرودة إلى أقل من 25 درجة تحت الصفر، حتى إننا نضع اللحم خارج النافذة وفي فترة قصيرة يتجمد أكثر مما لو تضعه في الثلاجة».ويتابع الحمادي «البرد ينعكس أيضاً على لباس الناس، ففي الشتاء ترى الناس يلبسون الملابس الثقيلة جداً من فانيلات صوف وبنطلونات ثقيلة وقفازات صوفية وأحذية طويلة وغيرها مما يقي الجسم من البرد القارس، وفي الربيع يتغير اللباس إلى بالطوات أخف وزناً وأحذية عادية وتختفي القفازات وتتفتح الزهور وتبدأ الأرض بالاخضرار ويبرز جمال المرأة الأوكرانية صيفاً، فلا يبقى إلا البنطلون والقميص وما خف وزنه وأظهر جماله، فترى الناس منتشرين في الحدائق وعلى ضفاف الأنهر وشواطئ البحر يتنعمون بدفء الشمس وسحر الطبيعة».دكتوراه مع وقف التنفيذ بعد أن حاز درجة الماجستير في العلاقات الدولية يوليو 1980 «قررت العودة إلى البحرين وأنا على علم أن الحصول على وظيفة في الحكومة أو الشركات الكبرى حلم يجب ألا أفكر فيه، وبعد بحث طويل قررت الاتصال بوزارة التربية والتعليم في أبوظبي للحصول على منحة دراسية فحصلت على منحة لدراسة الدكتوراه في أمريكا».في سبتمبر من عام 1981 سافر الحمادي إلى ولاية فلوريدا لدراسة اللغة الإنجليزية «كانت مدينة صغيرة وجميلة وتعتبر مدينة المتقاعدين لأن الكثير من الأمريكان بعد التقاعد يحضرون إلى جنوب أمريكا وفي المدن الصغيرة لأن الجو فيها دافئ وهادئ نسبياً قياساً بالمدن الكبرى». درس الحمادي اللغة الإنجليزية وذهبت في زيارة إلى البحرين «عرفت أن الوالد توفي علماً أنه لا توجد علاقة تربطني به لأن والدتي هي من تكفلت بتربيتي إلا أني أحسست إحساساً أنه يمكن أن تموت الوالدة وأنا بعيد عنها، وبعد أن رأيت الكبر ظاهراً عليها قررت قطع الدراسة والبقاء في البحرين، لأني لن أسامح نفسي إذا ماتت الوالدة وأنا غير موجود باعتباري الوحيد المسؤول عنها».حكاية الكلبينعندما كان الحمادي أعزباً بنى بيتاً في سترة «كنت في تلك الفترة وحيداً والأهل في بيتنا العود في الحورة أقامت فيه الوالدة ولم تشأ أن تترك البيت الذي تربينا فيه رغم ارتباطها الكبير بي، قررت أن أشتري كلباً ليكسر حاجز الوحدة عندي وأول كلب اشتريته كان من فصيلة (أنا دولين شبرد) وهو من فصيلة الأسود وكان كل من يراه يخافه لكبر حجمه».عاش الكلب لدى الحمادي فترة طويلة «الغريب أني عندما أشاهد التليفزيون كان يشاركني المتابعة، ولكن ما إن أشعل السيجارة حتى يشعرني بشيء من الاحتقار ويتركني ويذهب بعيداً خارج الصالة، إلى أن أطفئ السيجارة فيعود ليرتمي في أحضاني وكأنه يشكرني على ذلك، وبعد أن تكررت هذه الحادثة لأيام كثيرة شعرت بعدها أنه يكره التدخين ويقول لي بلغته (بلاش منها يارجل) فقررت التوقف عن التدخين وشعرت بعدها بفرحة لا توصف».دخن الحمادي لمدة زادت عن 23 سنة متواصلة «لم أستطع رغم كل المحاولات التخلص من السيجارة إلا بمساعدة هذا الكلب، لكن للأسف فبعد فترة تعرف فيما يبدو على كلبة ورحل معها وتركني وحيداً وكأنه أدى رسالته وغادر».الكلب الثاني الذي اقتناه الحمادي فهو من فصيلة «الكولين» ويستخدمه عادة رعاة الغنم في حماية مواشيهم «تابعنا واحداً من أشهر المسلسلات لهذا النوع من الكلاب وهو مسلسل «الكلبة لاسي»، الغريب أن هذا الكلب أيضاً كان له دور رئيس في حياتي، حيث استطاع أن يعرفني على زوجتي من خلال حبها له عندما كنت آخذه معي للنادي البحري وتكررت اللقاءات عن طريقه وخطبتها في النهاية وتزوجنا، ولم تصدق الوالدة الخبر عندما طلبت منها السفر معي للأردن لكي نلتقي عائلة زوجتي العراقية، لأنها كانت يئست وهي تترجاني كل يوم أريد أشوف أولادك وأحضنهم قبل لا أموت».الجيش الأمريكي منقذاًفي نهاية نوفمبر 1998 كان الحمادي وزوجته الحامل بمولودها الأول فيصل ووالدته في سيارته الجيب عند مدخل مسجد الفاتح عندما قرر العودة بالسيارة إلى الجهة المقابلة من الشارع «لم أشعر إلا والسيارة تحولت إلى طائرة، وانقلبت المرة تلو الأخرى إلى أن استقرت على ظهرها ونحن الثلاثة معلقين فيها وزوجتي ووالدتي يصرخن من شدة الهلع، وبعدها خيم الصمت على الجميع حتى شعرت أنهن فارقن الحياة ولا أدري ما باستطاعتي فعله، ومن شدة الألم لم أستطع الحراك ولا فعل أي شيء وأنا مربوط بحزام السلامة».لم يشعر الحمادي إلا وجنود الجيش الأمريكي أخذوا يسحبونهم الواحد تلو الآخر والناس تتفرج عليهم وكأنهم يقومون باستعراض عسكري «كسروا باب السيارة بمساعدة زوجتي الحامل وأخرجوها، ومن بعدها أخرجوا والدتي من النافذة، وأنا الأخير وكنا الثلاثة خارج السيارة المعلقة في الهواء قبل أن تصل سيارة الإسعاف الذين اتصلوا بها ونجونا بمساعدتهم وكتب لنا عمر جديد».تسبب الحادث لوالدة الحمادي بكسر في الكتف «أخذونا إلى المستشفى برفقة مسؤول الإسعافات في القاعدة الذي أصر على مرافقتنا إلى المستشفى والدخول معنا إلى غرفة المعالجة بالطوارئ والإشراف على علاجنا، وبعد أن اطمأن علينا غادر المستشفى وأرسلت رسالة شكر إلى السفارة الأمريكية على ما قدموه لي ولعائلتي، وبعد الحادث بـ3 أيام ولد ابني البكر فيصل دون أي مشاكل تذكر».ويختم حمادي نبش ذاكرته «بعد العودة إلى البحرين قدمت في وزارة التربية وقبلت ولكن جاء الرفض من الداخلية، بعدها عملت في شركة شاكر للاستشارات الإدارية لمدة سنتين وبعدها استقلت منها وقدمت في عدة شركات ومنها خدمات مطار البحرين وقبلت بعد ضغط من السيد خليفة خليفان مدير العمل حينها ولكن الداخلية رفضت فاتصلت بالسيد هندرسون تليفونياً وأخبرته بأنكم ترفضون توظيفي على خلفيات سابقة لماذا لا تعطوني فرصة للعمل، وهل هذا التصرف سيوقف الشــخص عن عــمل مقــتنع بـه؟ أظن أنه يزيد الحقد في الشخص وممكن أن يتصرف تصرفاً أهوجاً أو غير مسؤول وغير حضـــاري، وأنتم من تدفعونه لذلك، وبعدها اقتنـــع وأصدر مذكرة بالموافقة على تعييني في شركة خدمات مطار البحرين إلى أن تقاعدت في نفس الشركة».
محمد الحمادي: قصة كلبين غيرا مجرى حياتي
22 مارس 2013