قال شيوخ وعلماء دين إن «حسن الظن بالله تعالى شعبة من شعب إيمان العبد لا يكتمل إلا بها، وواجب شرعي يجب عليه أن يتصف به»، مشيرين إلى «ما جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي». ومعنى حسن ظن العبد بربه: هو كما قال الإمام النووي في شرح مسلم: «أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه»».وأوضحوا أنه «مما يرسخ حسن الظن في القلب استحضار قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله خير -وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن- إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له»». وذكروا أن «حسن الظن بالله عمل قلبي عظيم المنزلة والأثر في الدين وله عاقبة حسنة. والعبد مفتقر إليه في سيره لربه ومكابدته لأمور معاشه وتعامله مع صنوف الخلق. قال الله تعالى: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)». قال سفيان الثوري: «أي أحسنوا بالله تعالى الظن». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: «أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيراً فله وإن ظن شراً فله». وكان سعيد بن جبير يقول: «اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك»». مقامات حسن الظن باللهولفتوا إلى أن «حسن الظن بالله حقيقته أن يظن العبد بالله خيراً ورحمة وإحساناً في معاملته ومكافأته ومجازاته أحسن الجزاء في الدنيا والآخرة وهذا يتحقق في مقامات:الأول: إذا دعا ربه أن يقبل ربه دعاءه. كما جاء في الحديث: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).الثاني: إذا تقرب إلى الله بعمل صالح أن يتقبل الله عمله ويرفعه. قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).الثالث: أن يقبل توبته إذا أذنب وتاب فأناب. وقد تضافرت النصوص بهذه الحقيقة. قال تعالى: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم).الرابع: أن يوقن بوعد الله ونعيمه الذي أعده الله لعباده الصالحين المستقيمين على طاعته وشرعه. وقد تواترت النصوص بذلك. قال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره).الخامس: أن يوقن بحسن لقاء الله وستره وتجاوزه عنه وهو في سياق موته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله». وقال ابن عباس: «إذا رأيتم الرجل قد نزل به الموت فبشروه حتى يلقى ربه وهو حسن الظن بالله تعالى وإن كان حياً فخوفوه بربه واذكروا له شدة عقابه».السادس: عند نزول البلاء وضيق الحال. قال بعض السلف: «استعمل في كل بلية تطرقك حسن الظن بالله عز وجل في كشفها فإن ذلك أقرب بك إلى الفرج»».وأضافوا أن «حسن الظن يكون صحيحاً مقبولاً من المؤمن إذا كان العبد منيباً إلى الله مقبلاً على طاعته محسناً في عمله، أما إذا كان العبد مسيئاً في عمله متجاوزاً لحدود الله في سائر حاله، فهذا سيئ الظن بالله وإن تظاهر بحسن الظن، لأن حسن الظن يحمل على حسن العمل، وسوء الظن يحمل على سوء العمل، قال الحسن البصري: «إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل». المنافق وسوء الظنوأوضحوا أن «الفاجر الذي فعل الكبائر واستوحش قلبه بالظلمات ولم يتب، هو من أساء الظن بربه وهرب من إحسان الله، وعمل بأسباب مقته وعذابه في الآخرة، فإن عوتب في حاله تحجج برحمة الله وإحسانه فهو كاذب في دعواه، ولا يسمى عمله حسن ظن بل غرور، لأنه طلب الإحسان بالتمني وعمله يكذب قوله وظنه».وتابعوا «كذلك الكافر قد أساء الظن بربه وأفعاله وصفاته فعطل الله عنه جماله وجلاله وألحد في أسمائه وصفاته وأشرك معه غيره من الخلق وكذب بنعيمه وعذابه في اليوم الآخر، وجحد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. كما قال تعالى: (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين). وقال تعالى فيهم: (أئفكاً آلهةً دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين).وأوضح العلماء أن «المنافق المستتر بنفاقه يظن أن الغلبة للكفر وأهله والخسارة ودائرة السوء لحزب الإيمان، وأن الباطل منتصر على الحق، فيظن بالله ظن السوء، وقد عاب الله على المنافقين وذمهم حين تركوا محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه في غزوة أحد بقوله: (وطائفةٌ قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية). وقال تعالى فيهم: (الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء). وكل منتسب لأمة محمد يظن أن الغلبة للكفار في هذا الزمان ويظن أن المؤمنين خاسرون مغلوبون في سائر الأوقات والأحوال ولو عملوا بأسباب النصر أو يظن أن هذا الدين لن تقوم له قائمة فقد أساء الظن بربه وشابه المنافقين في اعتقادهم وبات قلبه على شعبة من شعب النفاق».وأشاروا إلى أن «من سوء الظن بالله أن ييأس العبد ويقنط من رحمة الله ويغلب عذاب الله. وأن يعتقد أن الله يخلف وعده في إثابة المطيع وقبول عمله. وأن يوقن أن ربه يعامل الصالحين معاملة المسيئين فلا يعدل مع العباد. ولا يقبل من دعاه وأناب إليه ولاذ ببابه وارتجى كرمه وستره. فكل ذلك من سوء الظن الذي ينزه عنه الله جل جلاله وتباركت ذاته وتقدست أسماؤه وصفاته. وبالجملة فكل ظن سيئ لا يجوز لقلب المؤمن أن يعتقده وأن يستقر فيه بحال من الأحوال».الدعاء إلى اللهوقالوا إن «من سوء الظن بالله أيضاً أن يدعو الداعي ربه كثيراً فلا يجاب له فيسيء الظن بربه، وينقطع عن الدعاء، ولو علم أن الله ربما منع عنه شراً في الدنيا أو ادخر له خيراً في الآخرة بدعائه لما تعجل في الظن. ففي مسند أحمد من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لايزال العبد بخير ما لم يستعجل». قالوا: يا نبي الله وكيف يستعجل قال: «يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي».من هنا يرى العلماء أنه «يجب على المؤمن أن يفتش في قلبه عن سوء الظن بالله بجميع شعبه وصوره وأن يتخلص منه إن وجده ويعالج قلبه بدواء الإيمان ويملأ قلبه بحسن الظن بالله والرجاء واليقين والتوكل لأن كثيراً من الخلق مبتلى بسوء الظن بالله بصورة خفية كامنة تظهر وتقدح في فلتات اللسان وعمل الجوارح عند المحن والمضايق ونزول البلاء».وذكروا أن «التفاؤل بالأسماء والأحوال الحسنة من حسن الظن بالله والتشاؤم بالأسماء والأحوال السيئة من سوء الظن بالله ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل»».وأضافوا أن «من أعظم ما يعين المؤمن على حسن الظن بربه معرفته بواسع رحمة الله وكرمه وجوده وعظيم إحسانه بالخلق مهما أذنبوا وقصروا في طاعته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: «يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي»». الظن أكذب الحديثوخلص العلماء إلى أنه «من الواجب على المؤمن أن يحسن الظن بأخيه المؤمن، ويحمل أقواله وأفعاله على أحسن المحامل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»، فينبغي للمؤمن أن يكون حسن الظن بالله عظيم الرجاء به، موقناً بحسن جزائه وعطائه وإحسانه وموافاته بالآخرة، يسوقه حسن ظنه إلى حسن عمله والاستكثار من العمل بأسباب الرحمة والإحسان والبعد عن معصيته، وأسباب مقته وليكن وثوقه بحسن ظنه أعظم من الوثوق بحسن عمله، لأنه سيقدم على رب كريم رحيم ودود بعباده واسع العطاء عظيم الصفح والتجاوز، رحمته سبقت عذابه، ورضاه سبق سخطه. قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «والله الذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئاً خير من حسن الظن بالله ولا يحسن عبد الظن بالله عز وجل إلا أعطاه الله ظنه».
شيوخ دين: حسن الظن بالله واجب شرعي من شعب الإيمان
22 مارس 2013