كتب ـ وليد صبري:لا يخفي أبو جاسم (37 عاماً) ما اكتسبه من خبرة في علاج مرض الصفراء أو «أبو صفار»، الذي أصاب أطفاله بعد ولادتهم مباشرة، لافتاً إلى أن «العلاج الأمثل هو تناول الوليد لجرعات ماء الحندبان، وتعريضه للضوء الفلورسنتي، وزيادة كمية الرضاعة الطبيعية».ويتفق ماجد (28 عاماً) مع ما ذكره أبو جاسم، موضحاً أنه «لا ينسى تجربة ماء الحندبان في علاج طفلته مريم قبل 4 سنوات».وتقول أم خالد (26 عاماً) إنها «لم تكن على دراية تامة بتأثير ماء الحندبان في علاج أبو صفار، إلا أنه من خلال التجربة أدركت فوائده الجمة».والصفراء من الأمراض الشائعة جداً لدى الأطفال حديثي الولادة، ويصاب به في الأسبوع الأول نسبة كبيرة من الأطفال مكتملي النمو، ونسبة أكبر من الأطفال المولودين قبل الميعاد، ويعرفون علمياً بـ»المبتسرين».ويظهر جلد الطفل وبياض عينيه مكتسيين باللون الأصفر، نتيجة ارتفاع نسبة مادة «البيليروبين» في الدم، وغالباً ما تكون الإصابة عرضاً طبيعياً في أعقاب الولادة، وفي حالات قليلة تكون مؤشراً على إصابة الطفل بالمرض، الذي قد يستمر معه طوال عمره، في حال عدم علاجه بطريقة صحيحة.ويتفق الأطباء على أنه يجب عدم إهمال علاج الحالات المرضية من الصفراء، لما ينتج عنها مضاعفات وخيمة تظهر آثارها لاحقاً، وفي مراحل العمر المختلفة، وأهمها ما تحدثه من تأثير على الجهاز العصبي المركزي، نتيجة وجود نسبة عالية من مادة «البيليروبين» في دم الطفل، خاصة في الأيام الأولى من الولادة.الوقاية ضرورةويرى أخصائي الطب العام د. ياسر مرداش أن «مرض الصفراء يحدث نتيجة تكسير كريات الدم الحمراء الناتج عن عدم حاجة الجسم لنوع الهيموجلوبين لدى الجنين داخل الرحم، ولذلك يتم التخلص منه، ثم ينتج الجسم نوعاً آخر من الهيموجلوبين الملائم لحياة الطفل خارج الرحم، ولهذا فالصفراء تنقسم لنوعين، الصفراء الفسيولوجية الطبيعية وهي تظهر غالباً بعد يومين أو ثلاثة من الولادة، وسرعان ما يشفى منها الطفل دون علاج خلال أسبوع أو أسبوعين، والصفراء المرضية وهي تظهر خلال اليوم الأول من ولادة الطفل نتيجة اختلاف فصيلة دم الأم عن دم الأب «R.H» ،»A.B.O» وهو الأخطر».ويحدث هذا التكسير غالباً وفق مرداش، في الطفل الثاني أو «إذا حدث للأم إجهاض قبل الولادة الأولى، أو إذا نقل لها دم، كذلك فقد ترجع الإصابة بالصفراء المرضية نتيجة إصابة الطفل بأمراض فيروسية أو بكتيرية أو بنقص في هرمون الغدة الدرقية، أو الإصابة ببعض الأمراض النادرة مثل الخلل في التمثيل الغذائي أو إعطاء المولود بعض الأدوية الحاوية على فيتامين ك».وتكمن خطورة الإصابة بالصفراء المرضية في زيادة مستوى «البيليروبين» بالدم عن 20 ملليجراماً في المائة خاصة في الأسبوع الأول من الولادة، حيث تصل إلى المخ، وتسبب وفاته أو إصابته بتخلف عقلي.العلاج بأشعة الفلوروسنتوينصح استشاري أمراض الأطفال د.أحمد مصطفى الأمهات «بالتوجه فوراً إلى الطبيب المختص عند ظهور علامات الصفراء على أطفالهن عقب الولادة، لتشخيص الحالة ومعرفة مدى احتياجها للعلاج من عدمه»، مضيفاً «غالباً ما يتمثل العلاج في تغيير دم الطفل مرة أو أكثر من مرة، أو قد لا يتعدى الأمر سوى استخدام العلاج الضوئي، وهو عبارة عن مصابيح تشبه الفلوروسنت، حيث يوضع الطفل تحتها مكشوفاً مغطى العينين، ويمكن أيضاً تعريض الطفل لضوء الشمس وقت الشروق والغروب لمدة 15 إلى 20 دقيقة يومياً، مع ضرورة تجنب أشعة الشمس الحارقة، حتى لا تؤثر سلباً على الطفل الوليد».وينصح الأطباء بضرورة إكثار الأم من الرضاعة الطبيعية للمولود، وتناوله لجرعات من «ماء الحندبان» التي تساهم في شفائه من المرض.وترتبط طريقة العلاج من الصفراء بمدى تحديد الطبيب لنسبة الصفراء في دم الوليد، طبقاً لعمره ووزنه.وقد يصاب الطفل بالصفراء في سن الطفولة بسبب إصابته بفيروسات الالتهاب الكبدي المختلفة مثل «أ ب، ج، د»، إلا أن أكثرها شيوعاً في الأطفال هو فيروس «أ»، ورغم ذلك يشفى الطفل منه تماماً بعد تناوله للعلاج.مضاعفات المرضوقالت أخصائية الطب العام د.سارة أحمد إن «إصابة الطفل بالصفراء المرضية قد ينتج عنه الإصابة بيرقان المخ، وهو عبارة عن متلازمة عصبية كنتيجة مباشرة لترسب مادة «البيليروبين» الحر في خلايا المخ، وغالباً ما يحدث هذا اليرقان للأطفال حديثي الولادة، حيث إن هناك غشاءً يفصل المخ عن الدم، ولا يكتمل تماماً لديهم، ولكنه سرعان ما يكتمل خلال الأيام الأولى من عمرهم، ولهذا فإن هذا اليرقان لا يصيب الأطفال البالغين مهما ارتفع مستوى هذه المادة بالدم لديهم».وعند تأخر ظهور أعراض الصفراء عدة أيام بعد الولادة رغم ارتفاع مادة «البيليروبين»، ووصولها إلى الغشاء الفاصل بين المخ والدم، تكون الأعراض التي يعاني منها الوليد في البداية غير واضحة المعالم، وتقتصر فقط على ضعفه وعدم قدرته على الرضاعة، ثم تتطور الحالة ويصاب باعتلال في التنفس مع ارتفاع درجة الحرارة وتنتابه تقلصات عصبية عضلية شديدة يصاحبها التشنج «تيبس الأطراف»، وبعد عدة أيام قد تتحسن الحالة ظاهرياً وتقل أو تختفي التقلصات العصبية، وعلى عكس المتوقع تكون الإصابة في هذه الحالة قد استقرت وترسب البيليروبين بخلايا المخ وأثر عليها تماماً.ومن مضاعفات الإصابة بيرقان المخ تلف أجزاء كبيرة منه، ما يؤدي إلى إصابة الطفل بالتأخر الذهني، والتلعثم في الكلام، وقيامه بحركات لا إرادية مستمرة، مع عدم التوافق الحركي العضلي، وإصابة السمع والبصر بالضعف.ونبهت د.أحمد إلى أن «العلاج غالباً ما يكون بالقياس الروتيني لمستوى البيليروبين بدم المواليد خاصة المبتسرين «ناقصي النمو»، أومن يعانون من أية أمراض أخرى، مثل الاعتلال في التنفس، أو عدوى حديثي الولادة للوصول إلى المستوى الطبيعي لوجود البيليروبين بالدم، والذي يجب أن يقل عن 10 ملليجرامات وإذا ما زاد عن هذا الحد يجب إعادة القياس والمتابعة لتحديد العلاج المناسب حسب كل حالة».وخلصت إلى «تأكيد حقيقة مهمة مفادها أن على كل زوجين قبل وقوع الحمل أن يعرفا فصيلة دمهما خاصة عامل «R.H»، لإجراء الاستعدادات الطبية الواجبة لإعطاء الأم العلاج اللازم، لتفادي حدوث أية مضاعفات تضر بالطفل عند ولادته».
الأطباء يعالجون «أبو صفار» بـ«ماء الحندبان»
31 مارس 2013