مقال بقلم الوزير جميل حميدان:شهدت الساحة العمالية المحلية – عقب صدور قانون العمل في القطاع الأهلي رقم 36 لسنة 2012 – بعض الخلافات والتجاذبات التي أبداها بعض أصحاب الأعمال والناشطين والمهتمين بالشأن العمالي حول كيفية احتساب الإجازة السنوية المستحقة لعمال القطاع الخاص، هل تحسب على أنها أيام عمل لا يدخل في حسابها أيام الراحة الأسبوعية والإجازات الأخرى مدفوعة الأجر، أم تحسب على أنها أيام حسابية يدخل في حسابها أيام الراحة الأسبوعية والإجازات المذكورة.وفقاً للمادة 58 من قانون العمل في القطاع الأهلي آنف الذكر يستحق العامل الذي أمضى في خدمة صاحب العمل مدة سنة واحدة على الأقل إجازة سنوية لا تقل عن ثلاثين يوماً مدفوعة الأجر بمعدل يومين ونصف عن كل شهر. ويرى فريق من أصحاب الأعمال أن تطبيق النص المذكور يقتضي حساب الإجازة السنوية المستحقة للعمال على أنها أيام حسابية يدخل في حسابها أيام الراحة الأسبوعية والاجازات الأخرى التي تتخللها، في حين أن حسابها على أنها أيام عمل قد يزيد من الأعباء المالية لصاحب العمل، نظراً لزيادة عدد أيام الإجازة السنوية المستحقة لعماله.وإزاء هذا الخلاف في تفسير المادة 58 من قانون العمل المذكورة حول كيفية حساب الإجازة السنوية المستحقة لعمال القطاع الخاص، فإن وزارة العمل ترى لزاماً عليها – انطلاقاً من الدور المنوط بها – بيان التفسير السليم لكيفية حساب هذه الإجازة منعاً للخلاف حولها مما يحول دون إثارة المنازعات العمالية. وتأكيداً لذلك فقد دأبت الوزارة – حتى قبل صدور قانون العمل الجديد – على تفسير الإجازة السنوية المستحقة لعمال القطاع الخاص على أنها أيام عمل وليست أياماً حسابية، وقد استندت الوزارة في ذلك لمجموعة من المبررات نورد أهمها :- 1-وفقاً لمعايير العمل الدولية وما تأخذ به القوانين المقارنة، فإن الإجازة السنوية المستحقة للعامل تحسب على أنها أيام عمل لا يدخل في حسابها أيام الراحة الأسبوعية أو الإجازات الأخرى مدفوعة الأجر التي تتخللها، ويكفي الإشارة في هذا الصدد إلى الاتفاقية الدولية رقم 132 لسمو 1970 بشأن الإجازات السنوية مدفوعة الأجر، حيث نصت المادة السادسة منها على أنه " 1- لا تحسب العطلات العامة القانونية سواء تزامنت أو لم تتزامن مع الإجازة السنوية كجزء من الإجازة السنوية الدنيا المقررة في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من هذه الاتفاقية.2- لا يجوز أن تحسب فترات العجز عن العمل الناجمة عن المرض أو الإصابة كجزء من الإجازة السنوية الدنيا مدفوعة الأجر المقررة في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من هذه الاتفاقية. وباستقراء نص المادة السادسة المذكورة من هذه الاتفاقية يتبين بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل، أن الإجازة السنوية المستحقة للعامل تحسب على أنها أيام عمل وليست أياماً حسابية، مما يجعل هذه الميزة حقاً للعامل لا يجوز الانتقاص منه. وإذا كانت الاتفاقية المذكورة قد أشارت صراحة إلى أن الإجازة السنوية المستحقة للعامل تحسب على أنها أيام عمل وليست أياماً حسابية، فإن هذه الاتفاقية على الرغم أن مملكة البحرين لم تصدق عليها، إلا أن معايير العمل الدولية أضحت معايير عالمية تأخذ بها الدول في تشريعاتها الداخلية حتى ولو لم تصدق على هذه الاتفاقيات. فالتصديق على الاتفاقيات ليس هدفاً في حد ذاته، ولكن يمكن للدولة العضو في منظمة العمل الدولية مراعاة هذه الاتفاقيات وتكريس الأحكام التي جاءت بها دون التصديق عليها. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة غلى أن مملكة البحرين من الدول الحريصة على حقوق الإنسان ومنها بالطبع حقوق العمال، ومن ثم تحرص على احترام المبادئ التي وردت في هذه الاتفاقيات في تشريعاتها الداخلية ومنها قانون العمل، علماً بأن الحقوق العمالية التي كرستها الاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية تمثل الحدود الدنيا من الحماية القانونية، ومن ثم فإن الكثير من الدول تحرص على احترام هذه الاتفاقيات على الرغم من عدم التصديق عليها.3- إن اعتبار الإجازة السنوية المستحقة للعامل وفقاً للمادة 58 من قانون العمل أيام عمل وليست أياماً حسابية، يحقق الغاية من هذه الإجازة وهي تجديد نشاط العامل، ومرد ذلك أنه كلما زادت مدة الإجازة السنوية كلما تجدد نشاط العامل ويعود إلى عمله بعد انتهاء الإجازة أكثر إنتاجية مما يعود بالنفع على صاحب العمل في المقام الأول، في حين أن اعتبار الإجازة السنوية أيام حسابية لا يحقق الغرض من هذه الإجازة، حيث سيلجأ العامل إلى تجزئة الإجازة السنوية المستحقة له للاستفادة من أيام الراحة أو الإجازات الأخرى مدفوعة الأجر التي يمكن أن تتخلل الإجازة السنوية إذا حصل عليها دفعة واحدة.4- كان من المتفق عليه في ظل قانون العمل السابق الصادر بالمرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1976 وتعديلاته، أن الإجازة السنوية المستحقة لعمال القطاع الخاص تحسب على أنها أيام عمل وليست أياماً حسابية، ومن ثم فإن حساب هذه الإجازة في ظل قانون العمل الجديد على أنها أيام حسابية من شأنه تخفيض مقدار هذه الإجازة، وهذا الأمر غير جائز قانوناً، حيث لا يجوز المساس بالحقوق المكتسبة للعمال، فعلى سبيل المثال وفقاً للمادة 84 من قانون العمل في القطاع الأهلي السابق، كان العامل الذي عمل لدى صاحب العمل أكثر من خمس سنوات، يستحق إجازة سنوية 28 يوم عمل يمكن أن تزيد على ثلاثين يوماً بعد استبعاد أيام الراحة الأسبوعية والإجازات الأخرى مدفوعة الأجر التي تتخللها، في حين أن حساب الإجازة المستحقة للعامل وهي 30 يوماً وفقاً للمادة 58 من قانون العمل الجديد على أنها أيام حسابية يمكن أن يقلل مقدار الإجازة السنوية المستحقة للعامل عما كان يحصل عليه سابقاً في ظل المادة 84 من قانون العمل السابق، الأمر الذي يوجب تفسير الإجازة السنوية المقررة وفقاً للقانون الجديد على أنها أيام عمل وليست أياماً حسابية.5- إن احتساب أيام الاجازة السنوية على أساس أنها أيام حسابية تشمل أيام العطل الاسبوعية سوف يترتب عليه الاخلال بمبدأ المساواة بين العمال، فمن يحصل على اجازته السنوية دفعة واحدة سوف يخسر تلقائياً عطله الاسبوعية لوقوعها ضمن الاجازة السنوية ومن يقوم بتجزئة اجازته السنوية لتفادي وقوع العطل الاسبوعية ضمنها فسوف يحصل على الاجازتين دون أن تلغى أحداهما الأخرى وسوف يحصل على قيمة العطل الاسبوعية اضافة لإجازته السنوية، وعليه سوف تنشأ فروقاً واضحة وعدم مساواة في مقدار الاجازات الممنوحة بين العمال.6- إن أحد مظاهر الفلسفة التي قام عليها قانون العمل الجديد هو محاولة التقريب - قدر الإمكان - بين المزايا المقررة لعمال القطاع الخاص والمزايا المقرر لموظفي الحكومة بموجب قانون الخدمة المدنية، وذلك بغية تشجيع العمالة الوطنية على الانخراط في العمل في القطاع الخاص مما يساهم في تحجيم مشكلة البطالة وبقائها في الحدود الآمنة، وفي خصوص الإجازة السنوية المستحقة لموظفي الحكومة وهي ثلاثين يوماً، فإن هذه الإجازة يتم حسابها على أنها أيام عمل وليست أياماً حسابية، ومن ثم فإنه من قبيل التقريب بين عمال القطاع الخاص وموظفي الحكومة فيما يتعلق بهذه الإجازة، حسابها لعمال القطاع الخاص على أنها أيام عمل.7- درج القضاء البحريني منذ فترة على تفسير الإجازة السنوية المستحقة لعمال القطاع الخاص على أنها أيام عمل وليست أياماً حسابية، ويكفي الإشارة إلى أن هيئة التحكيم قد أصدرت العديد من الأحكام القضائية التي قررت صراحة إلزام صاحب العمل بإضافة أيام الإجازات الرسمية ويوم الراحة الأسبوعي إلى الإجازة السنوية المستحقة للعامل، الأمر الذي يبرهن على أن هذه الإجازة المستحقة لعمال القطاع الخاص أيام عمل وليست أياماً حسابية.ولحسم هذا الخلاف حول كيفية احتساب الإجازة السنوية المستحقة لعمال القطاع الخاص وفقاً للمادة 58 من قانون العمل في القطاع الأهلي آنفة الذكر، فقد عرض الأمر على اللجنة الوزارية للشئون القانونية التابعة لمجلس الوزراء الموقر بناءً على طلب وزارة العمل، وهذه اللجنة تضم مجموعة من المستشارين في التخصصات القانونية المختلفة، وقد أيدت هذه اللجنة ما انتهت إليه وزارة العمل من تفسير الإجازة السنوية على أنها أيام عمل وليست أياماً حسابية، بحيث لا يدخل في حسابها أيام الراحة الأسبوعية والإجازات الأخرى مدفوعة الأجر التي تتخللها. وأخيراً، نود التأكيد على مسالة هامة، أن وزارة العمل تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف (العمال – أصحاب الأعمال )، وأن ما يحكم إشرافها ومراقبتها على علاقات العمل هو القوانين والأنظمة المطبقة مع مراعاة الخصوصية التي تتمتع بها علاقات العمل في القطاع الخاص، ومن ثم كنا حريصين على بيان موقف الوزارة من كيفية حساب الإجازة السنوية المستحقة لعمال القطاع الخاص وفقاً للمادة 58 من قانون العمل الجديد وإجلاء الغموض حول تفسيرها.