لا يخفى على أحد في عصرنا هذا ما صار عليه حال وسائل الإعلام من حداثة وتقدم وفعالية، فقد بات العالم عبارة عن قرية صغيرة، تعتبر فيها وسائل الإعلام -بشقيها التقليدي والإلكتروني- نوافذ متعددة تطلعنا على العالم الكبير لحظة بلحظة. ونظراً لهذا التقدم الكبير في عالم الاتصالات وخصوصاً الاتصال الاجتماعي، فقد ازدادت أهمية وسائله المختلفة وتأثيرها في عملية التنشئة السياسية، أهمية لا تقل على الإطلاق عن تلك التي تلعبها الأسرة أو المدرسة. وقد أيقنت الدول الحديثة، وعلى رأسها مملكة البحرين، دور الإعلام البارز فعمدت البحرين تبعاً لذلك إلى استغلالها استغلالاً صحيحاً في دعم مفاهيم وممارسات حرية الرأي والتعبير المسؤولة والقيم الوطنية المشتركة، وتحفيز الكفاءات البشرية، وتنمية الوعي الاجتماعي والسياسي، ودعم روح الإبداع والتنافسية، بما يتواءم مع أهداف المشروع الإصلاحي والتوجيهات السامية لجلالة الملك المفدى حمد بن عيسى آل خليفة.وبداية يمكن تعريف التنشئة السياسية على أنها «العملية التي يكتسب الفرد من خلالها المعلومات والحقائق والأفكار والقيم والمثل السياسية ـ ويكون بواسطتها مواقفه واتجاهاته الفكرية أو الأيديولوجية التي تؤثر في سلوكه وممارساته اليومية، وتحدد درجة تضحيته وفاعليته السياسية في المجتمع وتساعد على بقاء وديمومة واستقرار النظام السياسي، طالما تستهدف تمرير الأفكار والخبرات والأساليب السياسية التي يعتمدها المجتمع بين أبناء الشعب، ويحاول زرعها في نفوس الأفراد والجماعات على اختلاف خلفياتهم الاجتماعية والطبقية».وعملية اكتساب المعلومات والحقائق والقيم، المذكورة في التعريف، لها أدوات ووسائل متعددة، منها الأسرة والمدرسة، وجماعات الرفاق، والأحزاب السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، بجانب وسائل الإعلام بالطبع، التي تلعب الدور الأهم والأبرز، بنظر الكثيرين، في عملية التنشئة السياسية، وخصوصاً بعد التطور الكبير فيها في الفترة الأخيرة، كما تمت الإشارة إليه في السطور السابقة. ويأتي هذا الاهتمام الكبير بالإعلام الاجتماعي تزامناً مع الاهتمام الأكاديمي الدولي والعربي الكبير لفهم طبيعة العلاقة بين الإعلام، وبالذات الإعلام الإلكتروني، وبين التنشئة السياسية للشباب، نظراً للدور الكبير الذي لعبه الإعلام الإلكتروني والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في الحراك الاجتماعي والسياسي في العالم العربي في الفترة الأخيرة. وتتفق الدراسات الغربية على دور الإعلام الاجتماعي البارز في التنشئة السياسية، إذ أثبتت دراسة قامت بها جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية أن العلاقة بينهما علاقة طردية، حيث كشفت أن قضاء وقت ما في المجتمعات الإلكترونية تلحقه زيادة في معدلات المشاركة في الأعمال التطوعية والخيرية، وفي معدلات الحوار البنّاء لمعالجة القضايا المهمة للمجتمع الواقعي. ووجدت الدراسة أيضاً أن تعلم الشباب كيفية التعامل مع أدوات الإعلام الإلكتروني ساهم في ارتفاع معدل إطلاعهم على وجهات نظر ثرية ومتنوعة مما دفع بالتالي إلى زيادة احتمال مشاركتهم في الأنشطة الاجتماعية والسياسية. وبالنسبة لمملكة البحرين، تشير الدراسات إلى أن وسائل الإعلام، وخصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي، لها دور مهم في تشكيل الرأي العام، إذ تشير الإحصاءات الصادرة عن تقرير الإعلام الاجتماعي العربي الصادر في عام 2011، أن مملكة البحرين تحتل المرتبة الرابعة عربياً من حيث استخدامها لتلك المواقع لدى قياس المستخدمين نسبة إلى عدد السكان. كما تشير إحصاءات نادي التواصل الاجتماعي في البحرين إلى أن عدد البحرينيين المشاركين في مواقع التواصل الاجتماعي يفوق 500 ألف مشترك، وأن 63% منهم من فئة الشباب والناشئة التي تتراوح أعمارهم بين 18-34 عاماً. وهو ما يعني أن نسبة كبيرة من المجتمع البحريني يتعرضون لمواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يمكن استثماره في ميادين كثيرة، لعل من أهمها ميدان تنمية الوعي السياسي، وتقديم جرعة ثقافية مبسطة لهؤلاء المستخدمين، تناسب إيقاع التعامل السريع مع مواقع التواصل الاجتماعي.إلا أن بروز شمس وسائل الإعلام الإلكترونية الجديدة لا يقلل بتاتاً من أهمية دور وسائل الإعلام التقليدية في التنشئة السياسية. فقد أشار الباحث سعيد ظافر العجمي في دراسة عن التنشئة السياسية في الكويت إلى ازدياد أعداد الشباب المقبلين على قراءة الصحف ما يعني زيادة دور ومسؤولية الصحافة الكويتية في عملية التنشئة السياسية لهذه الفئة من المجتمع، كما لفت إلى أن المؤسسات الإعلامية الكويتية تلعب دوراً مهماً في التنشئة السياسية، من خلال البرامج التلفزيونية أو الإذاعية، وأن الصفحات المخصصة للشباب والمواطنين للتعبير عن آرائهم في القضايا المختلفة، والتي تنشرها الصحف الكويتية، تشجع على الاهتمام بالقضايا العامة والمشاركة السياسية.وعليه فإنه لابد على الجهات المعنية والمهتمة بالشأن السياسي العمل على استغلال مواقع التواصل الاجتماعي المنتشرة حديثاً ووسائل الإعلام التقليدي استغلالاً صحيحاً في التنشئة السياسية من خلال تسخير كافة الأدوات المتوفرة في تشكيل اتجاهات الرأي العام تجاه مختلف قضايا المجتمع، وتحديداً في ما يتعلق بالتنشئة والتثقيف السياسيين في المملكة، خصوصاً وأن كافة المؤشرات والدراسات تتنبأ بتضاعف أعداد مستخدمي هذه الوسائل في الفترة القادمة، على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.