كتب ـ عبدالرحمن محمد أمين:رحلة مجلس عبدالله العثمان إلى القدس حافلة بالدلالات، كانت تعبيراً عن تضامن الشعب البحريني مع المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، ورفضاً لكل أشكال الهمجية والوحشية الممارسة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وتهجيرهم وهدم بيوتهم واقتلاع أشجارهم وسرقة إرثهم وحضارتهم وتاريخهم.الوفد زار الديار المقدسة، تعرف على أنشطة الجمعيات الخيرية هناك، وضع أكليلاً من الزهور على ضريح الشهيد ياسر عرفات، وزار متحف الشاعر الكبير محمود درويش، وتمنى أن تطول الرحلة أسابيع وشهوراً وسنين، وأخيراً قنعوا بما أتيحت لهم من فرصة، ممنين النفس بتكرار الزيارة. عاين أعضاء الوفد بأم أعينهم معاناة الفلسطينيين تحت نير الاحتلال، تضرعوا إلى الله أن يفك حصارهم وأسر معتقليهم، ويعيد الحقوق المسلوبة لأصحابها، ووطدوا عزمهم على زيارة غزة المحاصرة متى سنحت الفرصة.الطريقإلى فلسطين كانت «الرزنامة» تشير إلى يوم 14 مارس عندما أبلغ سفير فلسطين لدى البحرين طه عبدالقادر مجلس عبدالله العثمان الموافقة على زيارة فلسطين، وقال السفير إن الفيز تنتهي بتاريخ 26 مارس.ويقول صاحب المجلس عبدالله العثمان «انتظرنا الموافقة 6 أشهر كاملة، لم تسعني الدنيا من الفرحة والسعادة عندما تلقيت خبر الموافقة، نقلت النبأ إلى الزملاء ليشاركوني الفرحة، وكان الوفد يتكون من 20 شخصاً برفقة الإعلامي الفلسطيني نظمي العرقان».يوم 24 مارس غادر الوفد مطار البحرين الدولي وكان في وداعه نائب السفير الفلسطيني متوجهاً إلى مطار عمان وكان في استقباله هناك مندوبي السفارة الفلسطينية «استقلينا باصاً في رحلة استغرقت 45 دقيقة حتى وصلنا المعبر الأردني، وبعد الانتهاء من إجراءات الحدود عبرنا الجسر بين المعبرين الأردني والفلسطيني ويفصلهما معبر تحتله إسرائيل».لمس أعضاء الوفد حفاوة الاستقبال والتسهيلات الممنوحة لكبار الزوار في المعبرين الفلسطيني والأردني «المعاملة في المعبر الذي تحتله إسرائيل مختلفة تماماً، تشعر بوضوح أن الإسرائيليين لا يرحبون بزيارتك، وكذلك كل الوفود المتضامنة مع الشعب الفلسطيني».أقدم مدينة بالعالمما أن دخل الوفد الزائر الأراضي الفلسطينية حتى توجه من فوره إلى أريحا أقدم مدينة مأهولة في العالم «هناك استقبلنا محافظ المدينة ماجد الفتياني بالحفاوة والكرم، ورافقنا الإخوة في مكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى فندق في رام الله، حيث تشرفنا بلقاء عباس ودعوته لنا على العشاء، كما التقينا رئيس الوزراء سلام فياض، ومحافظ رام الله د.ليلى غنام».أعد الجانب الفلسطيني برنامجاً حافلاً للزيارة للتعرف على أنشطة الجمعيات الخيرية وزيارة ذوي الشهداء والأسرى والأسر الفلسطينية في رام الله «بعدها زرنا نابلس والتقينا محافظها اللواء جبرين البكري وزرنا الأسر الفلسطينية هناك وتجولنا في أسواق المدينة، وعرجنا على بيت لحم والتقينا محمد طه أحد مسؤولي المحافظة، حيث توجد كنيسة بيت لحم ومسجد عمر بن الخطاب في مشهد يوضح التعايش والمحبة بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين، وأدينا الصلاة بالمسجد وزرنا جمعية رعاية اليتيم والأسر الفلسطينية ومخيمي الدهيشة وعايدة للاجئين الفلسطينيين المحاطتين بجدار الفصل العنصري، عاينا كيف يلتهم الجدار الأراضي الفلسطينية الأخرى ويفصل بينها بعنصرية».إلى قرية ترمسعيافي قرية ترمسعيا زار الوفد ضريح الشهيد ياسر عرفات ومتحف الشاعر الكبير محمود درويش ودار الاحتياجات الخاصة «شاهدنا بين المدن والقرى والمحافظات المناظر الخلابة الساحرة والأراضي الخضراء الممتدة وأشجار الزيتون واللوز».لم يخف أعضاء مجلس العثمان انزعاجهم من جثم المحتل الإسرائيلي فوق الأرض الفلسطينية العربية الإسلامية «شاهدنا كيف قطعوا أوصالها وبنوا فوقها المستوطنات بعد مصادرة الأراضي من ملاكها الفلسطينيين، وفصل المحافظات بالحواجز العسكرية الثابتة والطيارة، وبالجدران العنصرية». القدس مدينة السلاميوم الخميس غادر الوفد إلى القدس القديمة، ضمن إجراءات وترتيبات معقدة رتبها الفلسطينيون «أقلتنا حافلات تحمل لوحات القدس ومررنا بطرق التفافية طويلة تحاشياً للحواجز الإسرائيلية، إذ لم نكن نحمل تصريحاً بزيارة القدس».وينقل عبدالله العثمان عن الفلسطينيين قولهم «الإسرائيليون يمنعون المتضامنين من التنقل بحرية في المدينة المقدسة ويفرض عليها حصاراً مشدداً، ويعتبرها ثكنة عسكرية مغلقة، ويمارس فيها أشرس سياسة تهويد في محاولة يائسة منه لتغيير المعالم الفلسطينية العربية الإسلامية».ويضيف العثمان «رغم كل هذه القيود والسياسات الإجرامية، إلا أن فرحتنا لم توصف حين نجحنا بالوصول إلى القدس رغم أنف المحتل وسياساته، وحين رؤيتنا لقبة الصخرة والمسجد الأقصى الشريف». تحقيق الحلمحلم كل مسلم أن يصل إلى هذا المكان المقدس ويؤدي الصلاة فيه، حيث يعتبر المسجد الأقصى أولى القبلتين وثاني مسجد بني على وجه البسيطة وأحد ثلاثة مساجد تشد إليها الرحال، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى» وقال صلوات الله وسلامه عليه «صلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة، وصلاة في مسجدي ألف صلاة، وفي بيت المقدس خمسمائة صلاة»، وقال جل وعلا «سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير».وكان المسجد الأقصى وجهة النبي محمد في رحلة الإسراء والمعراج، في ليلة 27 رجب بعد البعثة بعشر سنين، إذ خرج من المسجد الحرام بصحبة جبريل عليه السلام راكباً دابة البراق، فنزل عند المسجد الأقصى وربط البراق بحلقة باب المسجد عند حائط البراق، وصلى بجميع الأنبياء إماماً، ثم عُرج به من الصخرة المشرفة إلى فوق سبع سماوات.وزير الأوقاف الفلسطيني د.محمود الهباش وإمام المسجد الأقصى والمفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين التقيا الوفد «أدينا صلاة العصر في المسجد الأقصى وزرنا مدينة الخليل والتقينا محافظها كامل حميد وتجولنا في سوق المدينة التجاري الذي أغلقت فيه إسرائيل أكثر من 550 محلاً وصادرت الكثير من منازلها وطردت سكانها الفلسطينيين ومنحتها ظلماً للمستوطنين ونفذت سياسات التضييق والخنق على المدينة وساكنيها، وأدينا صلاة الجمعة في المسجد الإبراهيمي الذي تحتل إسرائيل أكثر من ثلثي مساحته، وأثنى إمام المسجد على الوفد البحريني، متمنياً استمرار الزيارات من البحرين ودول العالم الإسلامي كافة إلى الديار الفلسطينية».الصلاة في المسجد الأقصى كان هدف الوفد الأول الصلاة في المسجد الأقصى والثاني زيارة المرابطين الصامدين على أرضهم والوقوف معهم في محنتهم ضد المحتل الإسرائيلي من الحصار والجدار العنصري، ودعم القضية الفلسطينية ورسم الأمل والابتسامة على وجوه الفلسطينيين، حتى تتحقق دولتهم المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف.ويضيف عبدالله العثمان «ما شاهدناه في المدن والقرى الفلسطينية كان قوة إيمان إخوتنا في فلسطين بالله سبحانه وتعالى وصبرهم وعزيمتهم وأخلاقهم النبيلة وكرمهم وسجاياهم الحميدة، وإيمانهم المطلق بحقهم في أرضهم وبقدرتهم على مقاومة الاحتلال وسياساته كونهم أصحاب حق ورغم قلة حيلتهم وإمكاناتهم إلا أنهم صامدون بقوة فوق أرضهم، والتزام النساء بالزي الإسلامي إضافة المساجد والنهضة العمرانية في كل مكان في تحد لاحتلال يحاول أن يدمر كل شيء».قرر المجلس في زيارته المقبلة للأراضي الفلسطينية أن يذهب إلى غزة، بعد أن زار المقاصد المقدسة في الضفة الغربية وأبرز المعالم والمدن الفلسطينية وعاين سياسات التهويد التي تمارسها إسرائيل بحق الأراضي الفلسطينية.