حمل مهرجان التراث هذا العام ثيمة «المقاهي الشعبية»، ربما من خلاله أرادت وزارة الثقافة أن تعيد لموقع باب البحرين ولعموم المناطق القديمة رائحة البن والقهوة، كجزء من ذاكرة المكان وتفاصيل تراث طالما ميز البحرين بمقاهٍ احتلت معظم حواريها وأزقتها ودواعيسها المتعرجة المتربة.بين من يفضل الذهاب إلى المقاهي الحديثة «كوستا» و»ستاربكس» و»كاريبو»، وبين من يحب ارتياد المقاهي الشعبية انقسم شباب البحرين، وأكدوا باختلاف آرائهم أن الشباب يناصر الحداثة ويتمسك أيضاً بالتراث والتقاليد.شيء من التراثليلى إبراهيم تعشق ارتياد المقاهي الشعبية مع صديقاتها نهاية كل أسبوع، لتناول وجبة الإفطار والدردشة في أمور كثيرة «قراءتي المكثفة لتاريخ البحرين، حفزتني على اكتشاف الكثير من الإرث المهمل في تاريخ البحر والغوص والنخيل، ولعل من أبرز هذه الأمور المقاهي الشعبية القديمة، لذا زرت وصديقاتي بعض المقاهي وسط العاصمة المنامة، وفي كل إجازة نتناول الإفطار في الهواء الطلق».زينب محسن تتناول وزوجها الإفطار مع شاي «الكشري» أو»الكرك» في مقهى «غلوم» بالمنامة «نستمتع أيما استمتاع بالجلوس في المقهى الشعبي».تقول زينب «علمت أن مهرجان التراث هذا العام يستهدف إحياء القهاوي الشعبية، نشكر وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة على جهودها في هذا الإطار، لأنها تهتم بتراثنا البحريني الأصيل، ولعل المقاهي الشعبية هي جزء من ذاك التراث المنسي».محمد علي وباقر محمد ويوسف جعفر يرتادون المقاهي الشعبية باستمرار، هم على طول الخط، يلتقون في القهوة الوسطى بسوق المنامة، أو كما يسميها بعضهم قهوة مدن، فهناك يلتقون ويتسامرون ويتجاذبون أطراف الحديث، مستمتعين بشرب شاي «مكحل» مع «النخي».يقول باقر «نحن نحب المقاهي الشعبية، في كل مرة نختار قهوة للجلوس فيها والاستمتاع بشرب الشاي والدردشة، فمرة نقصد قهوة غلوم ومرة قهوة الباصات وثالثة نذهب للجنوبية، ونشرب الشاي من بين يدي عبدالرزاق أقدم كهوجي في البحرين».يتأسف باقر أن لا أحد يهتم بالمقاهي الشعبية في البحرين، لكننا حين أخبرناه أن هناك مشروعاً لدى وزارة الثقافة لإحيائها، بدت على محياه الفرحة، وقال «ياريت يكون هالشي صحيح وبأسرع وقت».الماضي في كوب قهوةسيد علي مدرس يعشق المقاهي الشعبية، ويعتبرها من مخزون التراث المتبقي في البحرين، ويعتقد رغم وجود مقاهٍ حديثة، أنها لا تملك الروح الحقيقية المخزونة في القهاوي الشعبية «المقاهي الأمريكية جافة وتقدم لك الشاي على الطريقة الغربية بلا طعم ولا ذاكرة، بينما الشاي في مقاهينا تقدم لكل كل جميل، وتشعرك بالتاريخ والحضارة وتقص عليك حكايا البحر والغوص والنخيل». يرى سيد علي أن المقاهي الشعبية «تقدم لنا حضارتنا بشكل مختلف، القهوة الشعبية ما زالت تحتفظ بروحها الأصيلة رغم كر السنين، من دون تصنع أو تكلف». ويعتقد الشاب جاسم راشد من المحرق أن القهاوي الشعبية تضفي حيوية على حياتنا الرتيبة المملة «في القهوة تستطيع الصراخ والضحك واللعب والكلام بكل حرية، وفيها نتخلص من سموم الحضارة المادية ومن تكنولوجيتها، فحين أدخل القهوة الشعبية أترك جوالي في السيارة، لألعب مع أصدقائي البتة والكيرم والدومنة دون حاجة لأي مخترع إلكتروني بليد».في القهوة يجد جاسم الصفاء الروحي «هذا ما لا أجده في أي مقهى غربي، هذا ليس شعوري الشخصي فقط، بل هو شعور كل بحريني يشم رائحة الأجداد هنا».